ولما كان امتثال غير العاقل وعصيان العاقل ربما أوهم نقصاً قال :﴿وهو﴾ أي وحده لا شريك له ﴿العزيز﴾ أي العظيم النفع الذي يغلب كل شيء ولا يغلبه شيء، ويعسر الوصول إليه ﴿الحكيم﴾ أي الذي يضع الأشياء في أتقن مواضعها، فما مكّن العاقل من المعصية إلا لإظهار صفات الكمال من العلم والقدرة والحلم والكرم والرحمة والغضب وغير ذلك، وقد علم بهذا التنزيه وختم آيته بهاتين الصفتين أنه تعالى منزه عما تضمنه يأس الكفار المذكور من أنه لا بعث وعن أن يجعل سبحانه لهم حظاً في الآخرة لأن كلاًّ من عدم البعث والتسوية بين المسيء والمحسن نقص.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : افتتحت بالتسبيح لما ختمت به سورة الممتحنة من قوله ﴿لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم﴾ [ الممتحنة : ١٣ ] وهم اليهود، وقد تقدم الإيماء إلى ما استوجبوا به هذا فأتبع بالتنزيه لما تقدم بيانه فإنه مما تعقب به ذكر جرائم المرتكبات ولا يرد في غير ذلك، ثم أتبع ذلك بأمر العباد بالوفاء وهو الذي حد لهم في الممتحنة ليتنزهوا عن حال مستوجبي الغضب بنقيض الوفاء والمخالفة بالقلوب والألسنة ﴿يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم﴾ [ آل عمران : ١٦٧ ] ﴿لياً بألسنتهم وطعناً في الدين﴾ [ النساء : ٤٦ ] ﴿من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم﴾ [ المائدة : ٤١ ] ﴿ويقولون آمنا بالله والرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم﴾ [ النور : ٤٧ ] وبمجموع هذا استجمعوا اللعنة والغضب فقيل للمؤمنين :﴿يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون﴾ [ الصف : ٢ ] احذروا أن تشبه أحوالكم حال من استحق المقت واللعنة والغضب، ثم أتبع بحسن الجزاء لمن وفى قولاً وعقداً ولساناً وضميراً، وثبت على ما أمر به فقال :﴿إن الله يحب الذي يقاتلون في سبيله صفاً﴾ [ الصف : ٤ ] الآية ثم تناسج ما بعد.