والملتَزَم على قسمين : أحدهما النذر، وهو على قسمين، نذرُ تقرّب مبتدأ كقوله : لله عليّ صلاة وصوم وصدقة، ونحوه من القُرَب.
فهذا يلزم الوفاء به إجماعاً.
ونذرُ مباحٍ وهو ما علّق بشرط رغبة، كقوله : إن قدم غائبي فعليّ صدقة، أو عُلّق بشرط رهبة، كقوله : إن كفاني الله شرّ كذا فعليّ صدقة.
فاختلف العلماء فيه، فقال مالك وأبو حنيفة : يلزمه الوفاء به.
وقال الشافعي في أحد أقواله : إنه لا يلزمه الوفاء به.
وعموم الآية حجة لنا، لأنها بمطلقها تتناول ذمّ من قال ما لا يفعله على أي وجه كان من مطلق أو مقيد بشرط.
وقد قال أصحابه : إن النذر إنما يكون بما القصد منه القُرْبة مما هو من جنس القربة.
وهذا وإن كان من جنس القربة لكنه لم يقصد به القربة، وإنما قصد منع نفسه عن فعل أو الإقدام على فعل.
قلنا : القرب الشرعية مَشَقّات وكُلَف وإن كانت قربات.
وهذا تكلّف التزام هذه القربة بمشقة لجَلْب نفع أو دفع ضر، فلم يخرج عن سَنَن التكليف ولا زال عن قصد التقرب.
قال ابن العربي : فإن كان المقول منه وعداً فلا يخلو أن يكون منوطاً بسبب كقوله : إن تزوّجت أعنتُك بدينار، أو ابتعت حاجة كذا أعطيتك كذا.
فهذا لازم إجماعاً من الفقهاء.
وإن كان وعداً مجرّداً فقيل يلزم بتعلقه.
وتعلقوا بسبب الآية، فإنه روي أنهم كانوا يقولون : لو نعلم أيّ الأعمال أفضل أو أحبّ إلى الله لعملناه، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وهو حديث لا بأس به.
وقد روي عن مجاهد أن عبد الله بن رَوَاحة لما سمعها قال : لا أزال حبيساً في سبيل الله حتى أقْتل.
والصحيح عندي : أن الوعد يجب الوفاء به على كل حال إلا لعذر.
قلت : قال مالك : فأما العِدَة مثل أن يسأل الرجل الرجل أن يَهَب له الهبة فيقول له نعم ؛ ثم يبدو له ألاّ يفعل فما أرى ذلك يلزمه.
وقال ابن القاسم : إذا وعَد الغرماء فقال : أشهدكم أني قد وهبت له من أن يؤدّى إليكم ؛ فإن هذا يلزمه.


الصفحة التالية
Icon