وقال ابن عاشور :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ ﴾
هذا خطاب آخر للمؤمنين تكملة لما تضمنه الخطاب بقوله تعالى :﴿ يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة ﴾ إلى قوله :﴿ وتجاهدون في سبيل الله ﴾ [ الصف : ١٠، ١١ ] الآية الذي هو المقصود من ذلك الخطاب، فجاء هذا الخطاب الثاني تذكيراً بأسوة عظيمة من أحوال المخلصين من المؤمنين السابقين وهم أصحاب عيسى عليه السلام مع قلة عددهم وضعفهم.
فأمر الله المؤمنين بنصر الدين وهو نصر غير النصر الذي بالجهاد لأن ذلك تقدم التحريض عليه في قوله :﴿ وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ﴾ [ الصف : ١١ ] الآية ووَعَدهم عليه بأن ينصرهم الله، فهذا النصر المأمور به هنا نصر دِين الله الذي آمنوا به بأن يبثّوه ويَثْبُتوا على الأخذ به دون اكتراث بما يلاقونه من أذى من المشركين وأهللِ الكتاب، قال تعالى :﴿ لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ﴾ [ آل عمران : ١٨٦ ] وهذا هو الذي شبه بنصر الحواريين دين الله الذي جاء به عيسى عليه السّلام، فإن عيسى لم يجاهد من عاندوه، ولا كان الحواريون ممن جاهدوا ولكنه صبر وصبروا حتى أظهر الله دين النصرانية وانتشر في الأرض ثم دبّ إليه التغيير حتى جاء الإسلام فنسخه من أصله.
والأنصار : جمع نصير، وهو الناصر الشديد النصر.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ﴿ كونوا أنصاراً لله ﴾ بتنوين ﴿ أنصاراً ﴾ وقرن اسم الجلالة باللام الجارة فيكون ﴿ أنصاراً ﴾ مراداً به دلالة اسم الفاعل المفيد للإِحداث، أي محدثين النصر، واللام للأجْل، أي لأجل الله، أي ناصرين له كما قال تعالى :﴿ فلا ناصر لهم ﴾ [ محمد : ١٣ ].
وقرأه الباقون بإضافة ﴿ أنصار ﴾ إلى اسم الجلالة بدون لام على اعتبار أنصار كاللقب على نحو قوله :﴿ من أنصاري ﴾.