ولما اشتد تشوف السامع إلى جوابهم، أبان ذلك بقوله :﴿قال الحواريون﴾ معلمين أنه جادون في ذلك جداً لا مزيد عليه عاملين فيما دعاهم إليه عمل الواصل لا السائر لعلمهم أنه إجابته إجابة الله لأنه لا ينطق عن الهوى فليس كلامه إلا عن الله :﴿نحن﴾ أي بأجمعنا ﴿أنصار الله﴾ أي الملك الأعلى الذي هو غني عنا وقادر على تمام نصرنا، ولو كان عدونا كل أهل الأرض ننصره الآن بالفعل، لا نحتاج إلى تدريب يسير ولا نظر إلى غير، لاستحضارنا لجميع ما يقدر عليه الآدمي من صفات جلاله وجماله وكماله، ولذلك أظهروا ولم يضمروا.
ولما كان التقدير : ثم دعوا من خالفهم من بني إسرائيل وبارزوهم، سبب عنه قوله :﴿فآمنت﴾ أي به ﴿طائفة﴾ أي ناس فيهم أهلية الاستدارة لما لهم من الكثرة ﴿من بني إسرائيل﴾ أي قومه ﴿وكفرت طائفة﴾ أي منهم، وأصل الطائفة : القطعة من الشيء ﴿فأيدنا﴾ أي قوينا بعد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿الذين آمنوا﴾ أي الذين أقروا بالإيمان المخلص منهم وغيره في القول والفعل وشددنا قلوبهم ﴿على عدوهم﴾ الذين عادوهم لأجل إيمانهم.
ولما كان الظفر بالمحبوب أحب ما يكون إذا كان أول النهار، تسبب عن تأييده قوله :﴿فأصبحوا﴾ أي صاروا بعد ما كانوا فيه من الذل ﴿ظاهرين﴾ أي عالين غالبين قاهرين في أقوالهم وأفعالهم لا يخافون أحداً إلا الله ولا يستخفون منه، فالتأييد تارة يكون بالعلم وتارة بالفعل ﴿علمه شديد القوى﴾ [ النجم : ٥ ] فصار علمه في غاية الإحكام وتبعته قوة هي في منتهى التمام، لأنه ناشىء عن علم مستفاد من قوة، وإلا لقال : علمه كثير العلم.