فصل
قال الفخر :
ثم إنه تعالى ضرب لليهود الذين أعرضوا عن العمل بالتوراة، والإيمان بالنبي ﷺ مثلاً فقال :
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا
اعلم أنه تعالى لما أثبت التوحيد والنبوة، وبين في النبوة أنه عليه السلام بعث إلى الأميين واليهود لما أوردوا تلك الشبهة، وهي أنه عليه السلام بعث إلى العرب خاصة، ولم يبعث إليهم بمفهوم الآية أتبعه الله تعالى بضرب المثل للذين أعرضوا عن العمل بالتوراة، والإيمان بالنبي عليه السلام، والمقصود منه أنهم لما لم يعملوا بما في التوراة شبهوا بالحمار، لأنهم لو عملوا بمقتضاها لانتفعوا بها، ولم يوردوا تلك الشبهة، وذلك لأن فيها نعت الرسول عليه السلام، والبشارة بمقدمه، والدخول في دينه، وقوله :﴿حُمّلُواْ التوراة﴾ أي حملوا العمل بما فيها، وكلفوا القيام بها، وحملوا وقرىء : بالتخفيف والتثقيل، وقال صاحب "النظم" : ليس هو من الحمل على الظهر، وإنما هو من الحمالة بمعنى الكفالة والضمان، ومنه قيل للكفيل : الحميل، والمعنى : ضمنوا أحكام التوراة ثم لم يضمنوها ولم يعملوا بما فيها.
قال الأصمعي : الحميل، الكفيل، وقال الكسائي : حملت له حمالة.
أي كفلت به، والأسفار جمع سفر وهو الكتاب الكبير، لأنه يسفر عن المعنى إذا قرىء، ونظيره شبر وأشبار، شبه اليهود إذ لم ينتفعوا بما في التوراة، وهي دالة على الإيمان بمحمد ﷺ بالحمار الذي يحمل الكتب العلمية ولا يدري ما فيها.