هذه الآية من جملة ما مر بيانه، وقرىء :﴿فَتَمَنَّوُاْ الموت﴾ بكسر الواو، و ﴿هَادُواْ﴾ أي تهودوا، وكانوا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، فلو كان قولكم حقاً وأنتم على ثقة فتمنوا على الله أن يميتكم وينقلكم سريعاً إلى دار كرامته التي أعدها لأوليائه، قال الشاعر :
ليس من مات فاستراح بميت.. إنما الميت ميت الأحياء
فهم يطلبون الموت لا محالة إذا كانت الحالة هذه، وقوله تعالى :﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ أي بسبب ما قدموا من الكفر وتحريف الآيات، وذكر مرة بلفظ التأكيد ﴿وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾ ومرة بدون لفظ التأكيد ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ﴾ وقوله :﴿أَبَدًا...
والله عَلِيمٌ بالظالمين﴾
أي بظلمهم من تحريف الآيات وعنادهم لها، ومكابرتهم إياها.
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
يعني أن الموت الذي تفرون منه بما قدمت أيديكم من تحريف الآيات وغيره ملاقيكم لا محالة، ولا ينفعكم الفرار ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة يعني ما أشهدتم الخلق من التوراة والإنجيل وعالم بما غيبتم عن الخلق من نعت محمد ﷺ وما أسررتم في أنفسكم من تكذيبكم رسالته، وقوله تعالى :﴿فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ إما عياناً مقروناً بلقائكم يوم القيامة، أو بالجزاء إن كان خيراً فخير.
وإن كان شراً فشر، فقوله :﴿إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ هو التنبيه على السعي فيما ينفعهم في الآخرة وقوله :﴿فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ هو الوعيد البليغ والتهديد الشديد.
ثم في الآية مباحث :
البحث الأول : أدخل الفاء لما أنه في معنى الشرط والجزاء، وفي قراءة ابن مسعود ﴿ملاقيكم﴾ من غير ﴿فَإِنَّهُ ﴾.


الصفحة التالية
Icon