﴿ الذين حملوا التوراة ﴾ هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون لرسول الله ﷺ، و﴿ حملوا ﴾ معناه : كلفوا القيام بأوامرها ونواهيها، فهذا كمال حمل الإنسان الأمانة، وليس ذلك من الحمل على الظهر، وإن كان مشتقاً منه، وذكر تعالى أنهم ﴿ لم يحملوها ﴾، أي لم يطيعوا أمرها، ويقفوا عند حدها حين كذبوا بمحمد عليه الصلاة والسلام، و﴿ التوراة ﴾ تنطق بنبوته، فكان كل حبر لم ينتفع بما حمل كمثل حمار عليه أسفار، فهي عنده والزبل وغير ذلك بمنزلة واحدة، وقرأ يحيى بن يعمر :" حَمَلوا " بفتح الحاء والميم مخففة، وقرأ المأمون العباسي :" يُحَمَّل أسفاراً " بضم الياء وفتح الحاء وشد الميم مفتوحة، وفي مصحف ابن مسعود :" كمثل حمار " بغير تعريف، والسفر : الكتاب المجتمع الأوراق منضودة، ثم بين حال مثلهم وفساده بقوله تعالى :﴿ بئس مثل القوم ﴾ وقوله تعالى :﴿ قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم ﴾ الآية، روي أنها نزلت بسبب أن يهود المدينة لما ظهر رسول الله ﷺ خاطبوا يهود خيبر في أمره، وذكروا لهم نبوته، وقالوا : إن رأيتم اتباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون : نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن، وأبناء عُزيْر ابن الله ومنا الأنبياء ومتى كانت النبوة في العرب، نحن أحق بالنبوة من محمد، ولا سبيل إلى اتباعه، فنزلت الآية بمعنى : أنكم إذا كنتم من الله تعالى بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الحسية أحب إليكم ﴿ فتمنوا الموت ﴾ إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة، أخبر تعالى عنهم بأنهم لا يتمنونه ولا يلقونه إلا كرهاً لعلمهم بسوء حالهم عند الله وبعدهم منه. هذا هو المعنى اللازم من ألفاظ الآية، وروى كثير من المفسرين أن الله تعالى جعل هذه الآية معجزة لمحمد ﷺ فيهم، وآية باهرة، وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودة مات