أدخلت العرب الفاء فى خبر (إنّ) ؛ لأنها وقعت على الذى، والذى حرف يوصل، فالعرب تدخل الفاء فى كل خبرٍ كان اسمه مما يوصل مثل: من، والذى وإلقاؤها صواب، وهى فى قراءة عبدالله: "إن الموتَ الذى تفرُّون منه ملاقيكُم"، ومن أدخل الفاء ذهب بالذى إلى تأويل الجزاء إذا احتاجت إلى أن توصل، ومن ألقى الفاء فهو على القياس ؛ لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: إن أخاك فقائم. ولو قلت: إن ضاربك فظالم كان جائزا ؛ لأن تأويل: إن ضاربك، كقولك: إن من يضربك فظالم، فقس على هذا الاسم المفرد الذى فيه تأويل الجزاء فأدخل له الفاء.
وقال بعض المفسرين: إن الموت هو الذى تفرون منه، فجعل الذى فى موضع الخبر للموت. ثم قال: ففروا أولا تفروا فإنه ملاقيكم. ولا تجد هذا محتملا فى العربية والله أعلم بصواب ذلك.
﴿ ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُواْ الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
وقوله: ﴿مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ...﴾.
خفضها الأعمش فقال: الْجمعة، وثقلها عاصم وأهل الحجاز، وفيها لغة: جُمَعَة، وهى لغة لبنى عقيل لو قرىء بها كان صوابا. والذين قالوا: الجمعة: ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنه يوم جُمَعَة ؛ كما تقول: رجل ضُحَكة للذى يُكثر الضحك.
وقوله: ﴿فَاسْعَوْاْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ...﴾.
وفى قراءة عبدالله: "فامضوا إلى ذكر الله"، والمضى والسعى والذهاب فى معنى واحد ؛
لأنك تقول للرجل: هو يسعى فى الأرض يبتغى من فضل الله، وليس هذا باشتداد.
وقد قال بعض الأئمة: لو قرأتها: "فاسعوا" لاشتددت يقول: لأسرعت، والعرب تجعل السعى أسرع من المضى، والقول فيها القول الأول.
وقوله: ﴿وَذَرُواْ الْبَيْعَ...﴾.
إذا أمر بترك البيع فقد أمر بترك الشراء ؛ لأن المشترِى والبيِّع يقع عليهما البيِّعان، فإذا أذن المؤذن من يوم الجمعة حرم البيع والشراء [/ا].


الصفحة التالية
Icon