قال تعالى "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ" فكلفوا علمها والعمل بها من الحمالة بالصدر والقلب لا من الحمل على الظّهر أو الأيدي "ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها" فلم يعملوا بها ولم يقوموا بحقها ولم يؤدوا ما افترضه اللّه عليهم بها، لأن من علم الشيء ولم يعمل به فكأنه لم يعلمه، فمثله في حالة هذه "كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً" كتبا عظاما جمع سفر وهو الكتاب الكبير الضّخم فوبخهم اللّه تعالى على مبلغ علمهم فيما أنزله إليهم وصدودهم وحدهم عنه بقوله جل قوله "بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ" المنزلة على رسوله لإرشادهم "وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (٥) أنفسهم لعدم قبولهم نعمة اللّه وتكذيبهم بآياته ولا يوجد بالقرآن آية مبدوءة بكلمة بئس إلّا هذه والآية ١١ من الحجرات المارة وهذا مثل ضربه اللّه لليهود والّذين أعرضوا عمّا في التوراة وعن الإيمان بمحمد صلّى اللّه عليه وسلم، كما أعرضوا عن الإيمان بعيسى عليه السّلام إذ لم ينتفعوا بما فيها ولا بما تلقوه من آثار الأنبياء السّالفين فلم يهتدوا بهديهم، لأن من جملة هدى التوراة والأنبياء الّذين عملوا بها الإيمان بالرسل الّذين يأتون بعد موسى الّذين منهم عيسى ومحمد وقد كفروا بهما، ولذلك شبهوا بالحمار الذي يحمل الكتب على ظهره ولم يدر ما هي فلا ينتفع بها، ولا فرق عنده بين أن يحملها أو يحمل حطبا، وهذا المثل يدخل فيه من يقرأ القرآن ولم يعمل به ولم يفهم مراده من معانيه، ولا
مغازيه من مراميه، ولم يفطن لما انطوى عليه من حكم وعلوم، وكذلك من أعرض عنه اعراض من لا يحتاج إليه وهجره في بيته كالمتاع الذي لا يسأل عنه، وهؤلاء هم الّذين شكاهم الرّسول إلى ربه بقوله تعالى (وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) الآية ٢١ من الفرقان في ج ١.


الصفحة التالية
Icon