و يهذب نفوسكم فيها ويوصلكم إلى خير الآخرة التي خلقتم لأجلها، قال تعالى (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الآية ٥٦ من الذاريات في ج ٢ واعلم أن ثمرة العبادة وما تشتمل عليه من الصّدق والأمانة والوفاء وإن كانت في الدّنيا الثناء والمدح وائتمان النّاس على أموالهم وأعراضهم، إلا أن ثمرتها الحقيقة الدّائمة التي ينعم بها صاحبها تكون في الآخرة.
الحكم الشّرعي يحرم البيع والشّراء وجميع الأعمال الدّنيوية عند الأذان الأخير حتى ان الفقهاء قالوا بعدم صحة العقود كلها إذ ذاك وكلّ عقد يقع آنذاك فهو باطل، ولا يجوز السّفر فيه أيضا، بدليل ما أخرجه الترمذي عن ابن عباس رضي اللّه عنه، قال بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم عبد اللّه بن رواحه في سرية فوافق ذلك يوم الجمعة، فغزا أصحابه وقال أتخلف فأصلي مع رسول اللّه ثم ألحقهم، فلما صلّى رآه صلّى اللّه عليه وسلم فقال ما منعك أن تغزو مع أصحابك ؟ قال أردت أن أصلي معك ثم أتبعهم، فقال لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم.
ورأى عمر رجلا يقول لو لا أن اليوم جمعة لخرجت، فقال أخرج فإن الجمعة لا تحبس عن سفر.
وهذا أولى من القول بعدم جواز السّفر فيها بعد طلوع الفجر، لأن النّهي عن السّفر والبيع وغيره وقت الأذان الثاني، أما قبله فلا مانع وتنعقد في ثلاثة مع الإمام، ولا تصح إلّا في المصر، وبإذن الوالي، ويجوز تعددها إذا لم يوجد جامع يسع المصلين كافة بقدر الحاجة، فإذا كان يكفي المصلين جامعان فلا حاجة إلى الثالث، وهكذا كي تصح الجمعة بإجماع العلماء، أما إذا كان التعدد زائدا على الحاجة ففيه أقوال بعدم صحتها، وأقوال بصلاة الظّهر بعدها احتياطا، ويجوز تركها للمريض ولمن يتعاهده ولمن يخاف من عدو أو ظالم وعند المطر والوحل.
أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه خطب في يوم ذي أرواح (جمع ريح لا


الصفحة التالية
Icon