" يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ". بهذه الآية افتتحت سورة الجمعة، تحريضا للمؤمنين على أداء الفريضة وسماع الخطبة، وإذا كان كل شىء يسبح بحمد الله، فلم يتأخر المسلمون عن المشاركة فى هذا الحفل الجماعى العام؟ إنهم يحثون الخطى إلى المساجد تكثيرا لسواد المسلمين وتقوية لصفوفهم. ويوم الجمعة هو العيد الأسبوعى لنا، وفيه ساعة مباركة لا يوافقها عبد مقبل على الله بدعوة أو عبادة أو تسبيح إلا تقبل الله منه وغفر له. ويستحب الغسل والطيب لهذا اليوم! وقد يكون افتتاح السورة بالتسبيح لونا من توبيخ الذين خرجوا من المسجد لما سمعوا قدوم القوافل بالبضائع " وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين ". وصدر السورة ووسطها يحدثان عن ابتعاث الرسول الخاتم من بين العرب الأميين. والواقع أن الله صرف الرسالة العامة عن أهل الكتاب، لأن أمراض التدين الفاسد كثيرة تجمع بين الكبر والقسوة والغباء. وإذا كان القوم لا يصلحون أنفسهم، فكيف يصلحون الآخرين؟ إذا كانت طباع العامة سليمة وأطماعهم قليلة، فإنهم أسرع استجابة للحق وقدرة على نصرته، لذلك لم يبعث الله نبيه من اليهود، وآثر عليهم العرب " هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ". وقد بلغ العرب الرسالة وذابوا وسط الشعوب الأخرى، أو كانوا جسورا حسنة لتوصيل أمانات الوحى. أما اليهود فقد عبدوا جنسهم ونسوا ربهم وذكروا شهواتهم " مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين ". وقد كان اليهود ولا يزالون أبعد الناس عن طلب الآخرة وأشدهم تكالبا على حطام