قوله تعالى :﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو ﴾ أي كل أهل صيحة عليهم هم العدّو.
ف "هم العَدُوّ" في موضع المفعول الثاني ؛ على أن الكلام لا ضمير فيه.
يصفهم بالجُبْن والخَوَر.
قال مقاتل والسُّدي : أي إذا نادى منادٍ في العسكر أن انفلتت دابة أو أُنشِدت ضالّة ظنوا أنهم المرادون ؛ لما في قلوبهم من الرعب.
كما قال الشاعر وهو الأخطل :
مازلت تحسب كل شيء بعدهم...
خيلاً تَكُرّ عليهمُ ورجالاَ
وقيل :﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ العدو ﴾ كلام ضميره فيه لا يفتقر إلى ما بعد ؛ وتقديره : يحسبون كلّ صيحة عليهم أنهم قد فُطن بهم وعُلم بنفاقهم ؛ لأن للرِّيبة خوفاً ثم استأنف الله خطاب نبيّه ﷺ فقال :﴿ هُمُ العدو ﴾ وهذا معنى قول الضحاك وقيل : يحسبون كل صيحة يسمعونها في المسجد أنها عليهم، وأن النبيّ ﷺ قد أمر فيها بقتلهم ؛ فهم أبداً وَجِلون من أن يُنزل الله فيهم أمراً يبيح به دماءهم، ويهتك به أستارهم.
وفي هذا المعنى قول الشاعر :
فلو أنها عَصْفورةٌ لحسبتُها...
مُسَوّمَةً تَدْعُو عُبيدا وأَزْنَمَا
بطن من بني يَرْبُوع.
ثم وصفهم الله بقوله :﴿ هُمُ العدو فاحذرهم ﴾ حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم.
وفي قوله تعالى :﴿ فاحذرهم ﴾ وجهان : أحدهما فاحذر أن تثق بقولهم أو تميل إلى كلامهم.
الثاني فاحذر مُمَايلتهم لأعدائك وتخذيلهم لأصحابك.
﴿ قَاتَلَهُمُ الله ﴾ أي لعنهم الله ؛ قاله ابن عباس وأبو مالك.
وهي كلمة ذمّ وتوبيخ.
وقد تقول العرب : قاتله الله ما أشعره! فيضعونه موضع التعجب.
وقيل : معنى ﴿ قَاتَلَهُمُ الله ﴾ أي أحلهم محلّ من قاتله عدوٌ قاهر ؛ لأن الله تعالى قاهر لكل معاند.
حكاه ابن عيسى.
﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ أي يكذبون ؛ قاله ابن عباس.
قتادة : معناه يعدلون عن الحق.
الحسن : معناه يصرفون عن الرشد.


الصفحة التالية
Icon