وقيل : معناه كيف تضلّ عقولهم عن هذا مع وضوح الدلائل ؛ وهو من الإفك وهو الصرف.
و"أَنَّى" بمعنى كيف ؛ وقد تقدم.
قوله تعالى :﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله ﴾
لما نزل القرآن بصفتهم مشى إليهم عشائرهم وقالوا : افتضحتم بالنفاق فتوبوا إلى رسول الله من النفاق، واطلبوا أن يستغفر لكم.
فَلَوَّوْا رءوسهم ؛ أي حَرّكوها استهزاء وإباء ؛ قاله ابن عباس.
وعنه أنه كان لعبد الله بن أبيّ موقف في كل سبب يحض على طاعة الله وطاعة رسوله ؛ فقيل له : وما ينفعك ذلك ورسول الله ﷺ عليك غضبان، فأتِه يستغفر لك ؛ فأبى وقال : لا أذهب إليه.
وسبب نزول هذه الآيات : أن النبيّ ﷺ غزا بني المُصطلِق على ماء يقال له "المُرَيْسِيع" من ناحية "قُدَيد" إلى الساحل، فازدحم أجير لعمر يقال له :"جَهْجَاه" مع حَليف لعبد الله بن أُبَيّ يقال له :"سِنان" على ماء "بالمُشلِّل"، فصرخ جهجاه بالمهاجرين، وصرخ سِنان بالأنصار ؛ فلَطَم جهجاه سناناً فقال عبد الله بن أُبيّ : أوقد فعلوها! والله ما مَثَلُنا ومَثَلُهم إلا كما قال الاول : سَمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليُخْرِجَنّ الأعَزُّ يعني أُبَيّاً الأذل ؛ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم.
ثم قال لقومه : كُفُّوا طعامكم عن هذا الرجل، ولا تنفقوا على مَن عندَه حتى ينفضوا ويتركوه.
فقال زيد بن أَرْقَم وهو من رهط عبد الله أنت والله الذليل المُنتَقَص في قومك ؛ ومحمد ﷺ في عِزّ من الرحمن ومودّة من المسلمين، والله لا أحبك بعد كلامك هذا أبداً.
فقال عبد الله : اسكت إنما كنت ألعب.
فأخبر زيد النبي ﷺ بقوله ؛ فأقسم بالله ما فعل ولا قال ؛ فعذره النبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال زيد : فوجدت في نفسي ولاَمَني الناس ؛ فنزلت سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله.