وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ إِذَا جَاءكَ المنافقون ﴾
أي : إذا وصلوا إليك وحضروا مجلسك، وجواب الشرط :﴿ قالوا ﴾، وقيل : محذوف، و ﴿ قالوا ﴾ : حال، والتقدير : جاءوك قائلين كيت وكيت، فلا تقبل منهم، وقيل : الجواب ﴿ اتخذوا أيمانهم جُنَّةً ﴾ وهو بعيد ﴿ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله ﴾ أكدوا شهادتهم بإنّ واللام، للإشعار بأنها صادرة من صميم قلوبهم مع خلوص اعتقادهم، والمراد بالمنافقين : عبد الله بن أبيّ وأصحابه، ومعنى ﴿ نشهد ﴾ : نحلف، فهو يجري مجرى القسم، ولذلك يتلقى بما يتلقى به القسم، ومن هذا قول قيس بن ذَريح :
وأشهد عند الله أني أحبها... فهذا لها عندي فما عندها ليا
ومثل نشهد نعلم، فإنه يجري مجرى القسم، كما في قول الشاعر :
ولقد علمت لتأتينّ منيتي... إن المنايا لا تطيش سهامها
وجملة :﴿ والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ ﴾ معترضة مقرّرة لمضمون ما قبلها، وهو ما أظهروه من الشهادة، وإن كانت بواطنهم على خلاف ذلك ﴿ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لكاذبون ﴾ أي : في شهادتهم التي زعموا أنها من صميم القلب وخلوص الاعتقاد ؛ لا إلى منطوق كلامهم، وهو الشهادة بالرسالة، فإنه حقّ، والمعنى : والله يشهد إنهم لكاذبون فيما تضمنه كلامهم من التأكيد الدالّ على أن شهادتهم بذلك صادرة عن خلوص اعتقاد وطمأنينة قلب، وموافقة باطن لظاهر.
﴿ اتخذوا أيمانهم جُنَّةً ﴾ أي : جعلوا حلفهم الذي حلفوا لكم به إنهم لمنكم، وإن محمداً لرسول الله وقاية تقيهم منكم، وسترة يستترون بها من القتل والأسر، والجملة مستأنفة لبيان كذبهم وحلفهم عليه، وقد تقدّم قول من قال : إنها جواب الشرط.


الصفحة التالية
Icon