وقرأ نافع بالتخفيف، واختار القراءة الأولى أبو عبيد ﴿ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ ﴾ أي : يعرضون عن قول من قال لهم : تعالوا يستغفر لكم رسول الله، أو يعرضون عن رسول الله ﷺ، وجملة :﴿ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ﴾ في محل نصب على الحال من فاعل الحال الأولى، وهي يصدّون ؛ لأن الرؤية بصرية، ف ﴿ يصدّون ﴾ في محل نصب على الحال، والمعنى : ورأيتهم صادّين مستكبرين ﴿ سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾ أي : الاستغفار وعدمه سواء لا ينفعهم ذلك لإصرارهم على النفاق، واستمرارهم على الكفر.
قرأ الجمهور :﴿ أستغفرت ﴾ بهمزة مفتوحة من غير مدّ، وحذف همزة الاستفهام ثقة بدلالة " أم " عليها.
وقرأ يزيد بن القعقاع بهمزة ثم ألف ﴿ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ﴾ أي : ما داموا على النفاق ﴿ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين ﴾ أي : الكاملين في الخروج عن الطاعة، والانهماك في معاصي الله، ويدخل فيهم المنافقون دخولاً أوّلياً.
ثم ذكر سبحانه بعض قبائحهم فقال :﴿ هُمُ الذين يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله حتى يَنفَضُّواْ ﴾ أي : حتى يتفرّقوا عنه، يعنون بذلك فقراء المهاجرين، والجملة مستأنفة جارية مجرى التعليل لفسقهم، أو لعدم مغفرة الله لهم.
قرأ الجمهور :﴿ ينفضوا ﴾ من الانفضاض، وهو التفرّق، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي :( ينفضوا ) من أنفض القوم : إذا فنيت أزوادهم، يقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفضّ.
ثم أخبر سبحانه بسعة ملكه فقال :﴿ وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السموات والأرض ﴾ أي : إنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين ؛ لأن خزائن الرزق له فيعطي من شاء ما شاء، ويمنع من شاء ما شاء ﴿ ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ ﴾ ذلك، ولا يعلمون أن خزائن الأرزاق بيد الله عزّ وجلّ، وأنه الباسط القابض المعطي المانع.