روى البخاري عن زيد بن أرقم قال :"خرجنا مع النبي ﷺ في سفر أصاب الناسَ فيه شدة فقال عبد الله بن أُبَيّ : لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله" وهذا كلام مَكر لأن ظاهره قصد الرفق برسول الله ﷺ من كلفة إنفاق الأعراب الذين ألمُّوا به في غزوة بني المصطلق، وباطنه إرادة إبعاد الأعراب عن تلقي الهدي النبوي وعن أن يتقوى بهم المسلمون أو تفرقُ فقراء المهاجرين لتضعف بتفرقهم بعض قوة المسلمين.
وروايات حديث زيد مختلطة.
وقوله :﴿ رسول الله ﴾ يظهر أنه صدر من عبد الله بن أُبيّ ومن معه من المنافقين بهذا اللفظ إذا كانوا قالوا ذلك جهراً في ملإِ المسلمين إذ هم يتظاهرون ساعتئذٍ بالإِسلام.
و﴿ حتّى ﴾ مستعملة في التعليل بطريقة المجاز المرسل لأن معنى ﴿ حتى ﴾ انتهاء الفعل المذكور قبلها وغايةُ الفعل ينتهي الفاعل عن الفعل إذَا بلغها، فهي سبب للانتهاء وعلّة له، وليس المراد فإذا نفضوا فأنفقوا عليهم.
والإِنفضاض : التفرق والابتعاد.
﴿ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض ولكن المنافقين لاَ ﴾.
عطف على جملة ﴿ هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله ﴾ إبطال لمكر المنافقين فيما قصدوه من قولهم المتظاهرين بأنهم قصدوا به نصح المسلمين، أي لو تمشت حيلتهم على المسلمين فأمسكوا هم وبعض المسلمين عن إنفاق الأعراب ومن يأوون إلى رسول الله ﷺ من العفاة، فإن الرسول ﷺ لا يقطع عنهم الإِنفاق وذلك دأبَه كما دل عليه حديث عمر بن الخطاب "أن رجلاً جاء إلى رسول الله ﷺ فسأله أن يعطيه فقال النبي ﷺ ما عندي شيء ولكن ابتع عليَّ فإذا جاءني شيء قضيتُه.
فقال عمر : يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبي ﷺ قول عمر.