﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك ﴾ أي اللهو بها وهو الشغل، وهذا أبلغ مما لو قيل : ومن تلهه تلك ﴿ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون ﴾ حيث باعوا العظيم الباقي بالحقير الفاني، وفي التعريف بالإشارة والحصر للخسران فيهم، وفي تكرير الإسناد وتوسيط ضمير الفصل ما لا يخفى من المبالغة، وكأنه لما نهى المنافقون عن الانفاق على من عند رسول الله ﷺ وأريد الحث على الانفاق جعل قوله تعالى :﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ الذين كَفَرُواْ ﴾ الخ تمهيداً وتوطئة للأمر بالانفاق لكن على وجه العموم في قوله سبحانه :
﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رزقناكم ﴾
أي بعض ما أعطيناكم وتفضلنا به عليكم من الأموال ادخاراً للآخرة ﴿ مّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت ﴾ أي أماراته ومقدماته فالكلام على تقدير مضاف ولذا فرع على ذلك قوله تعالى :﴿ رَبّ لَوْلا أَخَّرْتَنِى ﴾ أي أمهلتني ﴿ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ أي أمد قصير ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ أي فأتصدق، وبذلك قرأ أبي.
وعبد الله.
وابن جبير، ونصب الفعل في جواب التمني والجزم في قوله سبحانه :﴿ وَأَكُن مّنَ الصالحين ﴾ بالعطف على موضع ﴿ فَأَصَّدَّقَ ﴾ كأنه قيل : إن أخرتني أصدّق وأكن، وإلى هذا ذهب أبو علي الفارسي.
والزجاج، وحكى سيبويه عن الخليل أنه على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني لأن الشرط غير ظاهر ولا يقدر حتى يعتبر العطف على الموضع كما في قوله تعالى :﴿ مَن يُضْلِلِ الله فَلاَ هَادِيَ لَهُ ﴾ [ الأعراف : ١٨٦ ] ويذرهم فيمن قرأ بالجزم وهو حسن بيد أن التعبير بالتوهم هنا ينشأ منه توهم قبيح، والفرق بين العطف على الموضع والعطف على التوهم أن العامل في العطف على الموضع موجود وأثره مفقود، والعامل في العطف على التوهم مفقود وأثره موجود، واستظهر أن الخلاف لفظي فمراد أبي علي.
والزجاج العطف على الموضع المتوهم أي المقدر إذ لا موضع هنا في التحقيق لكنهما فرا من قبح التعبير.
وقرأ الحسن.
وابن جبير.


الصفحة التالية
Icon