و مما يدلك على هذا أن الرّعب قد ملأ قلوبهم وصاروا بحيث "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" وانهم المرادون بها ويظنون منها إيقاع الشّر فيهم وتوقع الضّر بهم سواء كانت من ناشد ضالته أو ممن ندت له دآبة أو مناد في المعكر، حتى أنهم من شدة خوفهم يلقون الخوف في غيرهم لسوء ما يراهم عليه من الاضطراب، وهؤلاء الجبناء "هُمُ الْعَدُوُّ" اللدود لك ولأصحابك "فَاحْذَرْهُمْ" يا سيد الرسل ولا تأمنهم على شيء ولا تغتر بأيمانهم الكاذبة وإيمانهم الصّوري "قاتَلَهُمُ" اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (٤) جملة تعجبية من أنواع افترائهم وانصرافهم عن الحق وإصرارهم على النّفاق "وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ" ربه عما سلف منكم وأخلصوا إيمانكم له "لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ" أمالوها إعراضا
عن سماع هذا القول "وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ" عما دعوا إليه أنفة منه "وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ" (٥) عن الإجابة إلى استغفارك مع أنك تدعوهم لخيرهم، ولهذا فاتركهم يا حبيبي "سَواءٌ عَلَيْهِمْ" الأمر "أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ" لأنهم خرجوا عن الطّاعة "إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ" (٦) الخارجين على رسولهم ودينهم.