و ﴿يَحْلِفُونَ بالله إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ﴾ [ التوبة : ٥٦ ] وجواب إذا ﴿قَالُواْ نَشْهَدُ﴾ أي أنهم إذا أتوك شهدوا لك بالرسالة، فهم كاذبون في تلك الشهادة، لما مر أن قولهم يخالف اعتقادهم، وفي الآية مباحث :
البحث الأول : أنهم قالوا : نشهد إنك لرسول الله، فلو قالوا : نعلم إنك لرسول الله، أفاد مثل ما أفاد هذا، أم لا ؟ نقول : ما أفاد، لأن قولهم : نشهد إنك لرسول الله، صريح في الشهادة على إثبات الرسالة، وقولهم : نعلم ليس بصريح في إثبات العلم، لما أن علمهم في الغيب عند غيرهم.
قوله :﴿اتخذوا أيمانهم جُنَّةً﴾ أي ستراً ليستتروا به عما خافوا على أنفسهم من القتل.
قال في "الكشاف" :﴿اتخذوا أيمانهم جُنَّةً﴾ يجوز أن يراد أن قولهم :﴿نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله﴾ يمين من أيمانهم الكاذبة، لأن الشهادة تجري مجرى الحلف في التأكيد، يقول الرجل : أشهد وأشهد بالله، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى : وبه استشهد أبو حنيفة على أن أشهد يمين، ويجوز أن يكون وصفاً للمنافقين في استخفافهم بالإيمان، فإن قيل : لم قالوا نشهد، ولم يقولوا : نشهد بالله كما قلتم ؟ أجاب بعضهم عن هذا بأنه في معنى الحلف من المؤمن وهو في المتعارف إنما يكون بالله، فلذلك أخبر بقوله : نشهد عن قوله بالله.
وقوله تعالى :﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله﴾ أي أعرضوا بأنفسهم عن طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله، وقيل : صدوا، أي صرفوا ومنعوا الضعفة عن اتباع رسول الله ﷺ ﴿سَاء﴾ أي بئس ﴿مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ حيث آثروا الكفر على الإيمان وأظهروا خلاف ما أضمروا مشاكلة للمسلمين.