وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
قوله :﴿ يُسَبّحُ لِلَّهِ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض ﴾
أي : ينزهه سبحانه جميع مخلوقاته التي في سماواته وأرضه عن كل نقص وعيب ﴿ لَهُ الملك وَلَهُ الحمد ﴾ يختصان به ليس لغيره منهما شيء، وما كان لعباده منهما، فهو من فيضه وراجع إليه ﴿ وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ ﴾ لا يعجزه شيء ﴿ هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ أي : فبعضكم كافر وبعضكم مؤمن.
قال الضحاك : فمنكم كافر في السرّ مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السرّ كافر في العلانية كعمار بن ياسر ونحوه ممن أكره على الكفر.
وقال عطاء : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب، ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب.
قال الزجاج : إن الله خلق الكافر، وكفره فعل له وكسب مع أن الله خالق الكفر.
وخلق المؤمن، وإيمانه فعل له وكسب مع أن الله خالق الإيمان.
والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعلمه منه لأن وجود خلاف المقدّر عجز، ووجود خلاف المعلوم جهل.
قال القرطبي : وهذا أحسن الأقوال، وهو الذي عليه جمهور الأمة، وقدّم الكافر على المؤمن لأنه الأغلب عند نزول القرآن ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ لا تخفى عليه من ذلك خافية، فهو مجازيكم بأعمالكم.
ثم لما ذكر سبحانه خلق العالم الصغير أتبعه بخلق العالم الكبير فقال :﴿ خلق السموات والأرض بالحق ﴾ أي : بالحكمة البالغة.
وقيل : خلق ذلك خلقاً يقيناً لا ريب فيه، وقيل : الباء بمعنى اللام، أي : خلق ذلك لإظهار الحق، وهو أن يجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
ثم رجع سبحانه إلى خلق العالم الصغير فقال :﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ ﴾ قيل : المراد آدم خلقه بيده كرامة له، كذا قال مقاتل، وقيل : المراد جميع الخلائق، وهو الظاهر، أي : أنه سبحانه خلقهم في أكمل صورة وأحسن تقويم وأجمل شكل.


الصفحة التالية
Icon