والذَّوق مجاز في مطلق الإِحساس والوِجدان، شبه ما حلّ بهم من العذاب بشيء ذي طعم كريه يذوقه من حلّ به ويبتلعه لأن الذوق باللسان أشد من اللمس باليد أو بالجلد.
والمعنى : أحسوا العذاب في الدنيا إحساساً مكيناً.
وقوله :﴿ ولهم عذاب أليم ﴾ مراد به عذاب الآخرة لأن العطف يقتضي المغايرة.
ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا
ارتقاء في التعريض إلى ضرب منه قريببٍ من الصريح.
وهو المسمى في الكناية بالإِشارة.
كانت مقالةُ الذين من قبلُ مماثلة لمقالة المخاطبين فإذا كانت هي سبب ما ذاقوه من الوبال فيوشك أن يذوق مماثلوهم في المقالة مثل ذلك الوبال.
فاسم الإِشارة عائد إلى المذكور من الوبال والعذاب الأليم.
فهذا عَدّ لكفر آخر من وجوه كفرهم وهو تكذيبهم الرسول ﷺ وتكذيبهم بالقرآن فإن القرآن بيِّنة من البيّنات لأنه معجزة.
والباء للسببية فالجملة في موقع العلة.
والضمير ضمير الشأن لقصد تهويل ما يفسر الضمير، وهو جملة ﴿ كانت تأتيهم رسلهم بالبينات ﴾ إلى آخرها.
والاستفهام في ﴿ أبشر ﴾ استفهام إنكار وإبطال فهم أحالوا أن يكون بشر مثلهم يهدون بشراً أمثالهم، وهذا من جهلهم بمراتب النفوس البشرية ومن يصطفيه الله منها، ويخلقه مضطلعاً بتبليغ رسالته إلى عباده.
كما قال :﴿ وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق ﴾ [ الفرقان : ٧ ] وجهلوا أنه لا يصلح لإِرشاد الناس إلا مَن هو من نوعهم قال تعالى :﴿ قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ﴾ [ الإسراء : ٩٥ ] ولمَّا أحالوا أن يكون البشر أهلاً لهداية بشر مثله جعلوا ذلك كافياً في إعراضهم عن قبول القرآن والتدبر فيه.
والبشر : اسم جنس للإِنسان يصدق على الواحد كما في قوله تعالى :﴿ قل إنما أنا بشر مثلكم ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] ويقال على الجمع كما هنا.