ولما كان في رد قولهم على هذا الوجه مع الإقسام من غير استدلال إشارة إلى تأمل الكلام السابق بما اشتمل عليه من الأدلة التي منها ذلك البرهان البديهي، سبب عنه قوله فذلكة لما مضى من الأدلة وجمعاً لحديث جبريل عليه الصلاة والسلام في الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره والإسلام والإحسان :﴿فآمنوا بالله﴾ أي الذي لا أظهر من أن له الإحاطة الكاملة بكل شيء وأنه لا كفؤ له ولا راد لأمره.
ولما دعاه هذا إلى الإيمان به سبحانه عقلاً ونقلاً ذكراً وفكراً، ثنى بالإيمان بالرسل من الملائكة والبشر فقال :﴿ورسوله﴾ أي كل من أرسله ولا سيما محمد ـ ﷺ ـ بما ثبت من تصديقه بالمعجزات من أنه رسوله، ويلزم من الإيمان به الإيمان بمن أبلغه من الملائكة.
ولما كانت تلك المعجزات موجبات للعلم كانت أحق الأشياء باسم التور فإن النور هو المظهر للأشياء بعد انحجابها برداء الظلام وكان أعظم تلك المعجزات وأحقها بذلك كتب الله المنزلة على أنبيائه عليهم الصلاة والسلام، وأعظمها القرآن الذي هو مع إعجازه بيان لكل شيء، قال :﴿والنور﴾ وعينه بقوله :﴿الذي أنزلنا﴾ أي بما لنا من العظمة فكان معجزاً فكان بإعجازه ظاهراً بنفسه مظهراً لغيره، وهذا وإن كان هو الواقع لكن ذكر هذا الوصف صالح لشمول كل ما أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى رسله ـ ﷺ ـ، ومن المعلوم أن أعظمه القرآن المنزل على أشرف رسله ـ ﷺ ـ وعليهم أجمعين، فهو أحق ذلك باسم النور لما مضى من إعجازه، فمن آمن به أدخل الله قلبه من أنوار الفهوم والألطاف والسكينة ما يضيء الأقطار.