وقال ابن عاشور :
﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا ﴾
هذا ضرب ثالث من ضروب كفر المشركين المخاطبين بقوله :﴿ ألم يأتكم ﴾ [ التغابن : ٥ ] الخ، وهو كفرهم بإنكارهم البعث والجزاءَ.
والجملة ابتدائية.
وهذا الكلام موجه إلى النبي ﷺ بقرينة قوله :﴿ قل بلى ﴾.
وليس هذا من الإِظهار في مقام الإِضمار ولا من الالتفات بل هو ابتداء غرض مخاطببٍ به غيرُ من كان الخطاب جارياً معهم.
وتتضمن الجملة تصريحاً بإثبات البعث ذلك الذي أوتي إليه فيما مضى يفيد بالحق في قوله :﴿ خلق السموات والأرض بالحق ﴾ [ التغابن : ٣ ] وبقوله :﴿ يعلم ما في السموات والأرض ﴾ [ التغابن : ٤ ] كما علمته آنفاً.
والزعم : القول الموسوم بمخالفة الواقع خَطَأ فمنه الكذب الذي لم يتعمد قائله أن يخالف الواقع في ظن سامعه.
ويطلق على الخبر المستغرب المشكوك في وقوع ما أُخبر به، وعن شُريح : لكل شيء كنية وكنية الكذب زعموا ( أراد بالكنية الكناية ).
فَبَيْن الزعم والكذب عموم وخصوص وجهي.
وفي الحديث "بئس مطية الرجل إلى الكذب زعموا"، أي قول الرجل زعموا كذا.
وروى أهل الأدب أن الأعشى لما أنشد قيس بن معد يكرب الكِندي قوله في مدحه:
ونبئتُ قيساً ولم أَبلُه...
كما زَعموا خيرَ أهل اليمن
غضب قيس وقال له :"وما هو إلا الزعم".
ولأجل ما يصاحب الزعم من توهم قائله صدق ما قاله أُلحق فعلُ زعم بأفعال الظن فنصب مفعولين.
وليس كثيراً في كلامهم، ومنه قول أبي ذؤيب:
فإن تزعميني كنتُ أجهلُ فيكم...
فإني شَرَيْتُ الحِلم بَعدَككِ بالجهل
ومن شواهد النحو قول أبي أمية أوس الحنفي :
زعمتْني شيخاً ولستُ بشيخ
إنما الشيخ من يَدبّ دبيباً...
والأكثر أن يقع بعد فعل الزعم ( أَنَّ ) المفتوحة المشددة أو المخففة مثل التي في هذه الآية فيسد المصدرُ المنسبك مسدّ المفعولين.
والتقدير : زعم الذين كفروا انتفاء بعثهم.


الصفحة التالية
Icon