الفاءُ في قولِه تعالَى :﴿ فَئَامِنُواْ ﴾ فصيحةٌ مفصحةٌ عن شرطٍ قد حُذفَ ثقةً بغايةِ ظهورِهِ أي إذا كانَ الأمرُ كذلكَ فآمنُوا ﴿ بالله وَرَسُولِهِ ﴾ محمدٍ ﷺ ﴿ والنور الذى أَنزَلْنَا ﴾ وهُو القرآنُ فإنَّه بإعجازِهِ بيِّنٌ بنفسِهِ مبيِّنٌ لغيرِهِ كما أنَّ النورَ كذلكَ. والالتفاتُ إلى نونِ العظمةِ لإبرازِ كمالِ العنايةِ بأمرِ الإنزالِ ﴿ والله بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ من الامتثالِ بالأمرِ وعدمِهِ ﴿ خَبِيرٌ ﴾ فمجازيكُم عليهِ. والجملةُ اعتراضٌ تذييليٌّ مقررٌ لما قبلَهُ من الأمرِ موجبٌ للامتثالِ به بالوعدِ والوعيدِ، والالتفاتُ إلى الإسمِ الجليلِ لتربيةِ المهابةِ وتأكيدِ استقلالِ الجُملةِ ﴿ يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ ﴾ ظرفٌ لتنبؤنَّ وقيلَ لخبير لما فيهِ من مَعْنَى الوعيدِ كأنَّه قيلَ والله مجازيكُم ومعاقبكُم يومَ يجمعُكُم أو مفعولٌ لأذكُرْ وقُرِىءَ نَجْمعكُم بنونِ العظمةِ ﴿ لِيَوْمِ الجمع ﴾ ليومٍ يُجمعُ فيهِ الأولونَ والآخرونَ أي لأجلِ ما فيهِ من الحسابِ والجزاءِ ﴿ ذَلِكَ يَوْمُ التغابن ﴾ أي يومُ غَبْنِ بعضِ الناسِ بعضاً بنزولِ السعداءِ منازلَ الأشقياءِ لو كانوا سعداءَ وبالعكسِ وفي الحديثِ :" ما منْ عبدٍ يدخلُ الجنةَ إلا أُري مقعدَهُ من النارِ لو أساء ليزداد شُكراً وما من عبدٍ يدخلُ النارَ إلا أري مقعدَهُ من الجنةِ لو أحسنَ ليزدادَ حسرةً " وتخصيصُ التغابنِ بذلكَ اليومِ للإيذانِ بأن التغابنَ في الحقيقةِ هو الذي يقعُ فيهِ لا ما يقعُ في أمورِ الدُّنيا.