وهي الأسباب التي تفضي في نظام العادة إلى وقوععِ واقعات، وهي من آثار صنع الله في نظام هذا العالم من ربط المسببات بأسبابها مع علمه بما تفضي إليه تلك الأسباب فلما كان هو الذي أوجد الأسباب وأسبابَ أسبابها، وكان قد جعل ذلك كله أصولاً وفروعاً بعلمه وحكمته، أطلق على ذلك التقدير والتكوين لفظُ الإِذن، والمشابهة ظاهرة، وهذا في معنى قوله :﴿ ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ﴾ [ الحديد : ٢٢ ].
ومقتضى هذه الاستعارة تقريب حقيقة التقلبات الدنيوية إلى عقول المسلمين باختصار العبارة لضيق المقام عن الإِطناب في بيان العلل والأسباب، ولأن أكثر ذلك لا تبلغ إليه عقول عموم الأمة بسهولة.
والقصد من هذا تعليم المسلمين الصبر على ما يغلبهم من مصائب الحوادث لكيلا تُفَلّ عزائمهم ولا يهنوا ولا يلهيهم الحزن عن مهمات أمورهم وتدبير شؤونهم كما قال في سورة [ الحديد : ٢٣ ] ﴿ لكيلا تأسَوا على ما فاتكم ﴾
ولذلك أعقبه هنا بقوله : ومن يؤمن بالله يهد قلبه }، أي يهد قلبه عندما تصيبه مصيبة، فحذف هذا المتعلق لظهوره من السياق قال :﴿ ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يَمْسَسْكُم قَرح فقد مسّ القوم قرْح مثلُه وتلك الأيام نداولها بين الناس ﴾
[ آل عمران : ١٣٩ - ١٤٠ ].
والمعنى : أن المؤمن مرتاض بالأخلاق الإِسلامية متبع لوصايا الله تعالى فهو مجاف لفاسد الأخلاق من الجزع والهلع يتلقى ما يصيبه من مصيبة بالصبر والتفكر في أن الحياة لا تخلو من عوارض مؤلمة أو مكدرة.
قال تعالى :﴿ وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون ﴾ [ البقرة : ١٥٥ - ١٥٧ ]، أي أصحاب الهدى الكامل لأنه هدىً متلقىًّ من التعاليم الإلهية الحق المعصومة من الخطل كقوله هنا :﴿ يهد قلبه ﴾.


الصفحة التالية
Icon