(١٥) لمن يفوض أمره إليه ولا يعتمد إلّا عليه ولا يغتر بمال أو ولد أو جاه أو قوة، راجع الآية ٢٩ من سورة الأنفال المارة المصدرة به بلفظ اعلموا تنبيها إلى أن ما فيها لازم الأخذ واجب التقيد فيه "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" غاية جهدكم ونهاية وسعكم، وهذه الآية كالتفسير لقوله تعالى (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) الآية ١٠٣ من آل عمران المارة لا ناسخة لها كما قاله بعض المفسرين، لأن
حق التقوى تفريغ ما في الوسع من طاقة العبد لا أكثر ولا أقل كما بيناه في الآية الملح إليها "وَاسْمَعُوا" ما يتلى عليكم من كتاب اللّه وسنة رسوله سماع قبول واعملوا بهما طاقتكم "وَأَطِيعُوا" اللّه ورسوله فيما يأمرانكم به وينهاكم عنه، برغبة وطيب نفس "وَأَنْفِقُوا" مما رزقكم اللّه على عياله وأرحامكم لأن المال الذي أعطاكم إياه من فضله وجوده فنحكموه لتجودوا به على أنفسكم وغيركم ممن أوجب عليكم رزقهم منه وعلى الفقراء والمساكين فإذا فعلتم هذا كان "خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ" عند ربكم وأعظم أجرا، ولا تميلوا إلى الشّح فيما منّ به عليكم فيكون عاقبته شرا لأنفسكم "وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (٢٦) الفائزون عند اللّه في الآخرة المنتفعون بما خولهم به من النعم الواجدون ثوابها وجزائها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
واعلموا أيها الناس انكم "إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً" بأن تتصدقوا من حلالكم طلبا لمرضاة اللّه وابتغاء وجهه وتقربا إليه على فقرائه "يُضاعِفْهُ لَكُمْ" من عشرة إلى ما شاء اللّه، لا تحديد على الكريم الجواد الذي يعطي بغير حساب، لأنه جل شأنه لا يخشى من النّفاد ويعطي بلا عوض ولا لغرض "وَيَغْفِرْ لَكُمْ" ذنوبكم