فصل فى التفسير الموضوعى للسورة كاملة


قال الشيخ محمد الغزالى :
سورة التغابن
" يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ". الكون يعرف ربه، يعرف أن وجوده منه وبقاءه به، ولذلك يسبح بحمده وينقاد لأمره أما الناس فلهم شأن آخر. ما أكثر الذين يتجرءون عليه ويجحدون حقوقه ويحاربون رسله: " خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين ". أى عقوق هذا وأى إسفاف؟! فيا عجبا، كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد؟ وفى كل شىء له آية! تدل على أنه الواحد! وقد بدأت سورة " التغابن " بهذا التسبيح تنبيها إلى شذوذ المعصية ووضاعة متركبها " هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير ". ومن النقائض أن يحسن الله تصويرك فتسىء تقديره! وأن يسبغ عليك النعمة فتطيل الغفلة والإنكار! وقد أنكر الناس الوحى لأن حملته بشر مثلهم. حتى عاد وثمود فى القرون الغابرة قالوا: " لو شاء ربنا لأنزل ملائكة.. ". إنه صعب على الإنسان أن يعترف بامتياز شخص آخر. إنه يريد أن يذهب بنفسه ويتطاول على غيره! خصوصا الأغبياء، فإن لذتهم فى احتقار الذكاء وإهانة أهله " ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم * ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد ". إن استكثار التفوق على الغير والسعى فى هدمه وهزيمته طبيعة فى بعض الأفراد، بل يخيل إلى أنه طبيعة فى بعض الشعوب! ولو أن الأنبياء والمصلحين يدلون بما أوتوا من مواهب ويجنحون إلى الكبر والاستعلاء، لقلنا إنهم استثاروا غيرهم وألجئوه إلى الكبر والكفر. أما والرسل من أشد الناس تواضعا وألينهم عريكة، فإن تحديهم منكر مضاعف ومعصية سافرة..


الصفحة التالية
Icon