وقال غيره : لا حذف فيه ؛ لأن المقصود ذكر الطرفين.
وقال جماعة من أهل العلم : إن الله خلق الخلق ثم كفروا وآمنوا.
قالوا : وتمام الكلام ﴿ هُوَ الذي خَلَقَكُمْ ﴾.
ثم وصفهم فقال :﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾ كقوله تعالى :﴿ والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ ﴾ [ النور : ٤٥ ] الآية.
قالوا : فالله خلقهم، والمَشْي فعلهم.
واختاره الحسين بن الفضل، قال : لو خلقهم مؤمنين وكافرين لما وصفهم بفعلهم في قوله ﴿ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ ﴾.
واحتجوا : بقوله عليه الصلاة والسلام :" كل مولود يولد على الفِطرة فأبَوَاه يُهوِّدانه ويُنَصِّرانه ويُمَجِّسانه " الحديث.
وقد مضى في "الروم" مستوفى.
قال الضحاك : فمنكم كافر في السِّر مؤمن في العلانية كالمنافق، ومنكم مؤمن في السِّر كافر في العلانية كَعمّار وذَوِيه.
وقال عطاء بن أبي رَبَاح : فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ؛ ومنكم مؤمن بالله كافر بالكواكب ؛ يعني في شأن الأنواء.
وقال الزجاج وهو أحسن الأقوال، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة : إن الله خلق الكافر، وكُفْرُه فِعْلٌ له وكسب ؛ مع أن الله خالق الكفر.
وخلق المؤمن، وإيمانه فعلٌ له وكسب ؛ مع أن الله خالق الإيمان.
والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ؛ لأن الله تعالى قدّر ذلك عليه وعَلمه منه.
ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما غير الذي قدّر عليه وعلمه منه ؛ لأن وجود خلاف المقدور عَجْزٌ، ووجود خلاف المعلوم جَهْلٌ، ولا يَلِيقان بالله تعالى.
وفي هذا سلامة من الجبر والقدر ؛ كما قال الشاعر :
يا ناظراً في الدِّين ما الأمْرُ...
لا قَدْرٌ صحّ ولا جَبْرُ
وقال سِيلان : قَدِم أعرابي البصرة فقيل له : ما تقول في القدر؟ فقال : أمرٌ تغالت فيه الظنون، واختلف فيه المختلفون ؛ فالواجب أن نَرُدّ ما أشكل علينا من حكمه إلى ما سبق من علمه.