وقال الشوكانى :
قوله :﴿ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ ﴾
يعني : أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولاً أوّلياً، وهو أن رجالاً من مكة أسلموا، وأرادوا أن يهاجروا، فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم، فلا يطيعوهم في شيء مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله، والضمير في ﴿ فاحذروهم ﴾ يعود إلى العدوّ، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأوّل ؛ لأن العدوّ يطلق على الواحد، والاثنين، والجماعة، ثم أرشدهم الله إلى التجاوز، فقال :﴿ وَإِن تَعْفُواْ وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ ﴾ أي : تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها، وتتركوا التثريب عليها وتستروها ﴿ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، قيل : كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها، وفقهوا في الدين همّ أن يعاقب أزواجه وأولاده، فأنزل الله ﴿ وَأَن تَعْفُواْ ﴾ الآية، والآية تعمّ وإن كان السبب خاصاً، كما عرفناك غير مرة.
قال مجاهد : والله ما عادوهم في الدنيا، ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام، فأعطوهم إياه.
ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال :﴿ إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ ﴾ أي : بلاء واختبار ومحنة، يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله، فلا تطيعوهم في معصية الله ﴿ والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ لمن آثر طاعة الله، وترك معصيته في محبة ماله وولده.
ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال :﴿ فاتقوا الله مَا استطعتم ﴾ أي : ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم.