وإذا كانت السورة كلها مكية كما هو قول الضحاك كانت الآية ابتداء إقبال على تخصيص المؤمنين بالخطاب بعد قضاء حق الغرض الذي ابتدئت به السورة على عادة القرآن في تعقيب الأغراض بأضدادها من ترغيب أو ترهيب، وثناء أو ملام، أو نحو ذلك ليوفّى الطرفان حقيهما، وكانت تنبيهاً للمسلمين لأحوال في عائلاتهم قد تخفى عليهم ليأخذوا حذرهم، وهذا هو المناسب لما قبل الهجرة كان المسلمون بمكة ممتزجين مع المشركين بوشائج النسب والصهر والولاء فلما ناصبهم المشركون العداء لمفارقتهم دينهم وأضمروا لهم الحقد وأصبحوا فريقين كان كل فريق غير خال من أفراد متفاوتين في المضادة تبعاً للتفاوت في صلابة الدين، وفي أواصر القرابة والصهر، وقد يبلغ العداء إلى نهاية طرفه فتندحض أمامة جميع الأواصر فيصبح الأشد قرباً أشد مضرة على قريبه من مضرة البعيد.
فأيقظت هذه الآية المؤمنين لئلا يغرّهم أهل قرابتهم فيما توهم من جانب غرورهم فيكون ضرهم أشد عليهم وفي هذا الإيقاظ مصلحة للدين وللمسلمين ولذلك قال تعالى :﴿ فاحذروهم ﴾ ولم يأمر بأن يضروهم، وأعقبه بقوله :﴿ وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم ﴾، جمعاً بين الحذر وبين المسالمة وذلك من الحزم.
و﴿ مِن ﴾ تبعيضية.
وتقديم خبر ﴿ إنَّ ﴾ على اسمها للاهتمام بهذا الخبر ولما فيه من تشويق إلى الاسم ليتمكن مضمون هذا الخبر في الذهن أتم تمكن لما فيه من الغرابة والأهمية.
وقد تقدم مثله عند قوله تعالى :﴿ ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ﴾ في سورة [ البقرة : ٨ ].
وعَدُوّ وصف من العداوة بوزن فَعول بمعنى فاعل فلذلك لزم حالة الإفراد والتذكير إذا كان وصفاً، وقد مضى ذلك عند قوله تعالى :﴿ فإن كان من قوم عدوّ لكم ﴾ في سورة [ النساء : ٩٢ ].
فأما إذا أريد منه معنى الاسمية فيطابق ما أجري عليه، قال تعالى :﴿ يكونوا لكم أعداء ﴾ [ الممتحنة : ٢ ].