ومن هذه الوهدة العالمية ارتفع الإسلام بالمرأة وبالعلاقات الزوجية إلى ذلك المستوى الرفيع الطاهر الكريم الذي سبقت الإشارة إليه. وأنشأ للمرأة ما أنشأ من القيمة والاعتبار والحقوق والضمانات.. وليدة لا توأد ولا تهان. ومخطوبة لا تنكح إلا بإذنها ثيبا أو بكرا. وزوجة لها حقوق الرعاية فوق ضمانات الشريعة. ومطلقة لها هذه الحقوق المفصلة في هذه السورة وفي سورة البقرة وغيرها..
شرع الإسلام هذا كله. لا لأن النساء في شبه الجزيرة أو في أي مكان في العالم حينذاك شعرن بأن مكانهن غير مرض ! ولا لأن شعور الرجال كذلك قد تأذى بوضع النساء. ولا لأنه كان هناك اتحاد نسائي عربي أو عالمي ! ولا لأن المرأة دخلت دار الندوة أو مجلس الشورى ! ولا لأن هاتفا واحدا في الأرض هتف بتغيير الأحوال.. إنما كانت هي شريعة السماء للأرض. وعدالة السماء للأرض. وإرادة السماء بالأرض.. أن ترتفع الحياة البشرية من تلك الوهدة، وأن تتطهر العلاقات الزوجية من تلك الوصمة، وأن يكون للزوجين من نفس واحدة حقوق الإنسان وكرامة الإنسان.
.. هذا دين رفيع.. لا يعرض عنه إلا مطموس. ولا يعيبه إلا منكوس، ولا يحاربه إلا موكوس. فإنه لا يدع شريعة الله إلى شريعة الناس إلا من أخلد إلى الأرض واتبع هواه.
والآن نستعرض الأحكام في سياق السورة - بعد هذا الاستطراد الذي لا يبعد كثيرا عن جو هذا الجزء وما فيه من تنظيم وبناء للجماعة المسلمة - والأحكام في سياق السورة شيء آخر غير ذلك التلخيص. شيء حي. فيه روح. وفيه حركة. وفيه حياة. وفيه إيحاء.. وله إيقاع. وهذا هو الفارق الأصيل بين مدارسة الأحكام في القرآن ومدارستها في كتب الفقه والأصول. أ هـ ﴿الظلال حـ ٦ صـ ٣٥٩٣ ـ ٣٥٩٨﴾


الصفحة التالية
Icon