وفي هذه الآية من التهديد مالا يخص لمن لم يرجع عن غيه، والمراد تخويف أهل مكة خاصة وغيرهم عامة بأنهم إذا لم يؤمنوا وينقادوا لأوامر نبيهم بوقع بهم ما أوقعه بأهالي القرى السّالفة التي أصرت على كفرها من عذاب الاستئصال، كقوم عاد وثمود ولوط وشبههم، فاحذروا عباد اللّه من الإصرار على الكفر والبغي والتعدي على النّاس، ولا توقعوا أنفسكم فيما يدمركم "الَّذِينَ آمَنُوا" اسم الموصول هنا منصوب على الاختصاص، أو بتقدير أعني أولى الألباب الّذين آمنوا "قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً" ١٠ قرآنا
وأرسل إليكم "رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ مُبَيِّناتٍ" لما أحله لكم وحرمه عليكم "لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا" باللّه ورسوله وكتابه "وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ" من ظلمة الجهل وظلمة الشّرك وظلمة النّفاق إلى نور الإيمان والعلم والتوحيد والصّدق والإخلاص، فيهديهم للاسلام والإيمان وأعمال البر "وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ" الموصوف بهذه الصفات "رِزْقاً" (١١) فيما أعطاه وفي هذه الآية معنى التعجب والتعظيم لما يرزق المؤمن من الثواب الجسيم "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ" في العدد، وهذه أوضح آية في القرآن تبين أن الأرضين سبع كالسموات على أنه لا يبعد أن يراد بها الأقاليم السّبعة التي أشرنا إليها في الآية ٤ من سورة الرعد المارة، لأن اللّه تعالى قال في الآية ١٥ من سورة نوح المارة في ج ٢ سبع سموات طباقا، والمثلية تقتضي أن تكون مثل المثل به بأن تكون الأرض سبعا طباقا أيضا، وكلّ ما لم يكشف لنا العلم عنه فاللّه أعلم به.