فصل


قال الفخر :
﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ﴾
أما التعلق بما قبلها فذلك أنه تعالى قال في أول تلك السورة :﴿لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [ التغابن : ١ ] والملك يفتقر إلى التصرف على وجه يحصل منه نظام الملك، والحمد يفتقر إلى أن ذلك التصرف بطريق العدل والإحسان في حق المتصرف فيه وبالقدرة على من يمنعه عن التصرف وتقرير الأحكام في هذه السورة متضمن لهذه الأمور المفتقرة إليها تضمناً لا يفتقر إلى التأمل فيه، فيكون لهذه السورة نسبة إلى تلك السورة، وأما الأول بالآخر فلأنه تعالى أشار في آخر تلك السورة إلى كمال علمه بقوله :﴿عالم الغيب﴾ [ التغابن : ١٨ ] وفي أول هذه السورة إلى كمال علمه بمصالح النساء وبالأحكام المخصوصة بطلاقهن، فكأنه بين ذلك الكلي بهذه الجزئيات، وقوله :﴿يأيُّهَا النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء﴾ عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ طلق حفصة فأتت إلى أهلها فنزلت، وقيل : راجعها فإنها صوامة قوامة وعلى هذا إنما نزلت الآية بسبب خروجها إلى أهلها لما طلقها النبي ﷺ فأنزل الله في هذه الآية :﴿وَلاَ يَخْرُجْنَ مِن بُيُوتِهِنَّ﴾ وقال الكلبي : إنه عليه السلام غضب على حفصة لما أسر إليها حديثاً فأظهرته لعائشة فطلقها تطليقة فنزلت، وقال السدي : نزلت في عبد الله بن عمر لما طلق امرأته حائضاً والقصة في ذلك مشهورة وقال مقاتل : إن رجالاً فعلوا مثل ما فعل ابن عمر، وهم عمرو بن سعيد بن العاص وعتبة بن غزوان فنزلت فيهم، وفي قوله تعالى :﴿يأيُّهَا النبي إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء﴾ وجهان أحدهما : أنه نادى النبي ﷺ ثم خاطب أمته لما أنه سيدهم وقدوتهم، فإذا خوطب خطاب الجمع كانت أمته داخلة في ذلك الخطاب.


الصفحة التالية
Icon