كلام نفيس للإمام البقاعى
﴿كتب﴾ أي فرض بما استفاض في لسان الشرع وتأيد بأداة الاستعلاء ﴿عليكم الصيام﴾ وهو الإمساك عن المفطر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بالنية وقال الحرالي : فرض لما فيه من التهيؤ لعلم الحكمة وعلم ما لم تكونوا تعلمون وهو الثبات على تماسك عما من شأن الشيء أن يتصرف فيه ويكون شأنه كالشمس في وسط السماء، يقال : صامت - إذا لم يظهر لها حركة لصعود ولا لنزول التي هي من شأنها، وصامت الخيل - إذا لم تكن مركوضة ولا مركوبة، فتماسك المرء عما شأنه فعله من حفظ بدنه بالتغذي وحفظ نسله بالنكاح وخوضه في زور القول وسوء الفعل هو صومه، وفي الصوم خلاء من الطعام وانصراف عن حال الأنعام وانقطاع شهوات الفرج، وتمامه الإعراض عن أشغال الدنيا والتوجه إلى الله والعكوف في بيته ليحصل بذلك نبوع الحكمة من القلب، وجعل كتباً حتى لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم دينه كما ينشرم خرم القربة المكتوب فيها - انتهى.
أهـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٣٣٧﴾
لطيفة
قال بعض العلماء : إن الله تعالى قال في المكروهات ﴿كتب عليكم الصيام﴾ على لفظ لم يسم فاعله وإن كان قد علم أنه هو الكاتب
فلما جاء إلى ما يوجب الراحة قال ﴿كتب ربكم على نفسه الرحمة﴾. أ هـ ﴿صيد الخاطر صـ ٨٦﴾
لطيفة ثانية
قال ابن رجب الحنبلى ـ رحمه الله ـ :
الصيام يقي صاحبه من المعاصي في الدنيا كما قال عز وجل ﴿يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ فإذا كان له جنة من المعاصي كان له في الآخرة جنة من النار ومن لم يكن له جنة في الدنيا من المعاصي لم يكن له جنة في الآخرة من النار. أ هـ ﴿جامع العلوم والحكم صـ ٢٧١﴾
قوله تعالى :﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ ﴾
في هذا التشبيه قولان أحدهما : أنه عائد إلى أصل إيجاب الصوم، يعني هذه العبادة كانت مكتوبة واجبة على الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم، ما أخلى الله أمة من إيجابها عليهم لا يفرضها عليكم وحدكم وفائدة هذا الكلام أن الصوم عبادة شاقة، والشيء الشاق إذا عم سهل تحمله.


الصفحة التالية
Icon