والقول الثاني : أن التشبيه يعود إلى وقت الصوم وإلى قدره، وهذا ضعيف لأن تشبيه الشيء بالشيء يقتضي استواءهما في أمر من الأمور فاما أن يقال : إنه يقتضي الإستواء في كل الأمور فلا، ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجوها أحدها : أن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى، أما اليهود فإنها تركت هذا الشهر وصامت يوماً من السنة، زعموا أنه يوم غرق فيه فرعون، وكذبوا في ذلك أيضاً، لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله ﷺ، أما النصارى فإنهم صاموا رمضان فصادفوا فيه الحر الشديد فحولوه إلى وقت لا يتغير، ثم قالوا عند التحويل نزيد فيه فزادوا عشراً، ثم بعد زمان اشتكى ملكهم فنذر سبعاً فزادوه، ثم جاء بعد ذلك ملك آخر فقال : ما بال هذه الثلاثة فأتمه خمسين يوماً، وهذا معنى قوله تعالى :﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أَرْبَاباً﴾ [التوبة : ٣١] وهذا مروي عن الحسن وثانيها : أنهم أخذوا بالوثيقة زمانا فصاموا قبل الثلاثين يوماً وبعدها يوماً، ثم لم يزل الأخير يستسن بسنة القرن الذي قبله حتى صاروا إلى خمسين يوماً، ولهذا كره صوم يوم الشك، وهو مروي عن الشعبي وثالثها : أن وجه التشبيه أنه يحرم الطعام والشراب والجماع بعد النوم كما كان ذلك حراما على سائر الأمم واحتج القائلون بهذا القول بأن الأمة مجمعة على أن قوله تعالى :﴿أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصيام الرفث إلى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة : ١٨٧] يفيد نسخ هذا الحكم، فهذا الحكم لا بد فيه من دليل يدل عليه ولا دليل عليه إلا هذا التشبيه وهو قوله :﴿كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ فوجب أن يكون هذا التشبيه دليلاً على ثبوت هذا المعنى، قال أصحاب القول الأول : قد بينا أن تشبيه شيء بشيء لا يدل على مشابهتهما من كل الوجوه فلم يلزم من تشبيه صومنا بصومهم أن يكون صومهم مختصاً برمضان، وأن يكون صومهم مقدراً بثلاثين يوماً، ثم إن هذه


الصفحة التالية
Icon