القول الثاني : في تفسير قوله تعالى :﴿فَمَنْ خَافَ﴾ أي فمن علم والخوف والخشية يستعملان بمعنى العلم وذلك لأن الخوف عبارة عن حالة مخصوصة متولدة من ظن مخصوص وبين العلم وبين الظن مشابهة في أمور كثيرة فلهذا صح إطلاق اسم كل واحد منهما على الآخر، وعلى هذا التأويل يكون معنى الآية أن الميت إذا أخطأ في وصيته أو جار فيها متعمداً فلا حرج على من علم ذلك أن يغيره ويرده إلى الصلاح بعد موته، وهذا قول ابن عباس وقتادة والربيع.
المسألة الرابعة : قد ذكرنا أن الجنف هو الخطأ والإثم هو العمد ومعلوم أن الخطأ في حق الغير في أنه يجب إبطاله بمنزلة العمد فلا فصل بين الخطأ والعمد في ذلك، فمن هذا الوجه سوى عز وجل بين الأمرين.
أهـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ٥٧﴾
وقال فى التحرير والتنوير :
ومعنى خاف هنا الظن والتوقع ؛ لأن ظن المكروه خَوف فأطلق الخوف على لازمه وهو الظن والتوقعُ إشارة إلى أن ما توقعه المتوقع من قبيل المكروه، والقرينة هي أن الجنف والإثم لا يخيفان أحداً ولا سيما من ليس من أهل الوصية وهو المصلح بين أهلها، ومن إطلاق الخوف في مثل هذا قول أبي مِحْجن الثقفي
:... أخَافُ إذا ما مِتُّ أنْ لا أذُوقها
أي أظن وأَعلم شيئاً مكروها ولذا قال قبله
:... تُرَوِّي عِظَامي بَعْدَ مَوْتِي عُرُوقُها
والجنف الحيف والميل والجور وفعله كفرح. والإثم المعصية، فالمراد من الجنف هنا تفضيل من لا يستحق التفضيل على غيره من القرابة المساوي له أو الأحق، فيشمل ما كان من ذلك عن غير قصد ولكنه في الواقع حيف في الحق، والمراد بالإثم ما كان قصد الموصي به حرمان من يستحق أو تفضيل غيره عليه. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٥٣﴾
قال القُرْطُبِيُّ :


الصفحة التالية
Icon