وقال في "الكشاف" :﴿رَّسُولاً﴾ هو جبريل عليه السلام، أبدل من ﴿ذِكْراً﴾ لأنه وصف بتلاوة آيات الله، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر، والذكر قد يراد به الشرف، كما في قوله تعالى :﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] وقد يراد به القرآن، كما في قوله تعالى :﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذكر﴾ [ النحل : ٤٤ ] وقرىء ( رسول ) على هو رسول، و ﴿يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءايات الله مبينات﴾ بالخفض والنصب، والآيات هي الحجج فبالخفض، لأنها تبين الأمر والنبي والحلال والحرام، ومن نصب يريد أنه تعالى أوضح آياته وبينها أنها من عنده.
وقوله تعالى :﴿لّيُخْرِجَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور﴾ يعني من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الشبهة إلى نور الحجة، ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم.
وفي الآية مباحث :
الأولى : قوله تعالى :﴿فاتقوا الله ياأولى الألباب﴾ يتعلق بقوله تعالى :﴿وَكَأِيّن مّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبّهَا﴾ أم لا ؟ فنقول : قوله :﴿فاتقوا الله﴾ يؤكد قول من قال : المراد من قرية أهلها، لما أنه يدل على أن خطاب الله تعالى لا يكون إلا لذوي العقول فمن لا عقل له فلا خطاب عليه، وقيل قوله تعالى :﴿وَكَأَيّن مّن قَرْيَةٍ﴾ مشتمل على الترهيب والترغيب.
الثاني : الإيمان هو التقوى في الحقيقة وأولوا الألباب الذين آمنوا كانوا من المتقدمين بالضرورة فكيف يقال لهم :﴿فاتقوا الله﴾ ؟ نقول : للتقوى درجات ومراتب فالدرجة الأولى هي التقوى من الشرك والبواقي هي التقوى من المعاصي التي هي غير الشرك فأهل الإيمان إذا أمروا بالتقوى كان ذلك الأمر بالنسبة إلى الكبائر والصغائر لا بالنسبة إلى الشرك.