( هذا التفريع المقصود على التكاليف السابقة وخاصة على قوله :﴿ وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه شَدِيداً فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ﴾ [ الطلاق : ١ ] وهو نتيجة ما مهّد له به من قوله :﴿ وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله ﴾.
وفي نداء المؤمنين بوصف ﴿ أولي الألباب ﴾ إيماء إلى أن العقول الراجحة تدعو إلى تقوى الله لأنها كمال نفساني، ولأن فوائدها حقيقية دائمة، ولأن بها اجتناب المضار في الدنيا والآخرة، قال تعالى:
﴿ ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون ﴾ [ يونس : ٦٢، ٦٣ ]، وقوله :﴿ أولي ﴾ معناه ذوي، وتقدم بيانه عند قوله :﴿ واللائي يئسن من المحيض ﴾ [ الطلاق : ٤ ] آنفاً و ﴿ الذين آمنوا ﴾ بدل من ﴿ أولي الألباب ﴾.
وهذا الاتباع يومىء إلى أن قبولهم الإِيمان عنوان على رجاحة عقولهم.
والإتيان بصلة الموصول إشعار بأن الإِيمان سبب للتقوى وجامع لمعظمها ولكن للتقوى درجات هي التي أمروا بأن يحيطوا بها.
لله في هذه الجملة معنى العلة للأمر بالتقوى لأن إنزال الكتاب نفع عظيم لهم مستحق شكرهم عليه.
وتأكيد الخبر بـ ﴿ قد ءَامَنُواْ قَدْ أَنزَلَ الله إِلَيْكُمْ ذِكْراً * رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ ءايات الله مبينات لِّيُخْرِجَ الذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات ﴾ للاهتمام به وبعث النفوس على تصفح هذا الكتاب ومتابعة إرشاد الرسول صلى الله عليه وسلم
والذكر : القرآن.
وقد سمي بالذكر في آيات كثيرة لأنه يتضمن تذكير الناس بما هم في غفلة عنه من دلائل التوحيد وما يتفرع عنها من حسن السلوك، ثم تذكيرهم بما تضمنه من التكاليف وبيناه عند قوله تعالى :﴿ وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر ﴾ في سورة [ الحجر : ٦ ].
وإنزال القرآن تبليغه إلى الرسول بواسطة الملك واستعير له الإِنزال لأن الذكر مشبه بالشيء المرفوع في السماوات، كما تقدم في سورة الحجر وفي آيات كثيرة.


الصفحة التالية
Icon