وتكون للتخيير بين شيئين، كقوله : فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [المائدة : ٨٩] وقوله : فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة : ١٩٦] أنت في جميع هذا مخيّر أيّة فعلت أجزأ عنك.
وربما كانت بمعنى واو النّسق.
كقوله : فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً (٥) عُذْراً أَوْ نُذْراً (٦) [المرسلات : ٥، ٦] يريد : عذرا ونذرا. وقوله : لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى [طه : ٤٤] وقوله : لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [طه : ١١٣]، أي لعلهم يتقون ويحدث لهم القرآن ذكرا.
هذا كلّه عند المفسرين بمعنى واو النّسق.
وأما قوله : وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) [الصافات : ١٤٧]، فإن بعضهم يذهب إلى أنها بمعنى بل يزيدون، على مذهب التّدارك لكلام غلطت فيه وكذلك قوله :
وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النحل : ٧٧] وقوله : فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩) [النجم : ٩].
وليس هذا كما تأوّلوا، وإنما هي بمعنى (الواو) في جميع هذه المواضع : وأرسلناه إلى مائة ألف ويزيدون، وما أمر الساعة إلا كلمح البصر وهو أقرب، و : فكان قاب قوسين وأدنى.
وقال ابن أحمر "١" :
قرى عنكما شهرين أو نصف ثالث إلى ذاكما قد غيّبتني غيابيا
وهذا البيت بوضح لك معنى الواو : وأراد : قرى شهرين ونصفا، ولا يجوز أن يكون أراد قرى شهرين بل نصف شهر ثالث.
وقال آخر "٢" :
أثعلبة الفوارس أو رياحا عدلت بهم طهيّة والخشابا
أراد : وعدلت هذين بهذين.
أم
أم : تكون بمعنى أو، كقوله تعالى : أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً [الملك : ١٦، ١٧]، وكقوله :
أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا (٦٨) أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى [الإسراء : ٦٨، ٦٩].
هكذا قال المفسرون، وهي كذلك عند أهل اللغة في المعنى، وإن كانوا قد يفرقون بينهما في الأماكن.
وتكون أم بمعنى ألف الاستفهام، كقوله تعالى : أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء : ٥٤]، أراد : أيحسدون الناس ؟.
(١) يروى صدر البيت بلفظ :
ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث والبيت من الطويل، وهو لابن أحمر في ديوانه ص ١٧١، والأزهية ص ١١٥، وخزانة الأدب ٥/ ٩، وبلا نسبة في الإنصاف ٢/ ٤٨٣، والخصائص ٢/ ٤٦٠، والمحتسب ٢/ ٢٢٧.
(٢) البيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص ٨١٤، والأزهية ص ١١٤، وأمالي المرتضى ٢/ ٥٧، وجمهرة اللغة ص ٢٩٠، وخزانة الأدب ١١/ ٦٩، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٢٨٨، وشرح التصريح ١/ ٣٠٠، والكتاب ١/ ١٠٢، ٣/ ١٨٣، ولسان العرب (خشب)، (طها)، والمقاصد النحوية ٢/ ٥٣٣، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٢/ ١٦٦، والرد على النحاة ص ١٠٥، وشرح الأشموني ١/ ١٩٠.