وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بالضم ؛ وتأويله على هذه القراءة : توبةُ نصح لأنفسكم.
وقيل : يجوز أن يكون "نُصُوحاً"، جمع نُصح، وأن يكون مصدراً، يقال : نصح نصاحة ونُصُوحا.
وقد يتفق فعالة وفعول في المصادر، نحو الذِّهاب والذُّهوب.
وقال المبرّد : أراد توبة ذات نُصح، يقال : نصحت نصحاً ونَصاحة ونُصوحاً.
الثانية : في الأشياء التي يُتاب منها وكيف التّوبة منها.
قال العلماء : الذنب الذي تكون منه التوبة لايخلو، إما أن يكون حقاً لله أو للآدميين.
فإن كان حقاً لله كترك صلاة فإن التوبة لا تصح منه حتى ينضم إلى الندم قضاءُ ما فات منها.
وهكذا إن كان ترك صوم أو تفريطاً في الزكاة.
وإن كان ذلك قتلَ نفس بغير حق فأن يُمَكِّن من القصاص إن كان عليه وكان مطلوباً به.
وإن كان قذفاً يوجب الحدّ فيبذل ظهره للجلد إن كان مطلوباً به.
فإن عُفِيَ عنه كفاه الندم والعزم على ترك العود بالإخلاص.
وكذلك إن عُفيَ عنه في القتل بمال فعليه أن يؤدِّيه إن كان واجداً له، قال الله تعالى :﴿ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فاتباع بالمعروف وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾ [ البقرة : ١٧٨ ].
وإن كان ذلك حداً من حدود الله كائناً ما كان فإنه إذا تاب إلى الله تعالى بالندم الصحيح سقط عنه.
وقد نصّ الله تعالى على سقوط الحدّ عن المحاربين إذا تابوا قبل القدرة عليهم.
وفي ذلك دليل على أنها لا تسقط عنهم إذا تابوا بعد القدرة عليهم ؛ حسب ما تقدم بيانه.
وكذلك الشُّرّاب والسُّراق والزُّناة إذا أصلحوا وتابوا وعُرف ذلك منهم، ثم رفعوا إلى الإمام فلا ينبغي له أن يحدّهم.
وإن رُفُعوا إليه فقالوا : تُبْنا، لم يتركوا، وهم في هذه الحالة كالمحاربين إذا غُلبوا.
هذا مذهب الشافعيّ.


الصفحة التالية
Icon