قلت : قد ذكره الدَّارَقُطْنيّ في سننه عن ابن عباس فقال : حدّثنا الحسين بن إسماعيل قال حدّثنا محمد بن منصور قال حدّثنا رَوْح قال : حدّثنا سفيان الثَّوْرِي عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه أتاه رجل فقال : إني جعلت امرأتي عليّ حراماً.
فقال : كذبت! ليست عليك بحرام ؛ ثم تلا ﴿ يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ عليك أغلظ الكفارات : عِتْقُ رَقَبة.
وقد قال جماعة من أهل التفسير : إنه لما نزلت هذه الآية كفّر عن يمينه بعتق رقبة، وعاد ﷺ إلى مارية ؛ قاله زيد بن أسلم وغيره.
الخامسة : قال علماؤنا : سبب الاختلاف في هذا الباب أنه ليس في كتاب الله ولا في سُنّة رسول الله ﷺ نصٌّ ولا ظاهرٌ صحيحٌ يعتمد عليه في هذه المسألة، فتجاذبها العلماء لذلك.
فمن تمسَّك بالبراءة الأصلية فقال : لا حكم، فلا يلزم بها شيء.
وأما من قال إنها يمين ؛ فقال : سَمّاها الله يميناً.
وأما من قال : تجب فيها كفارة وليست بيمين ؛ فبناه على أحد أمرين : أحدهما أنه ظن أن الله تعالى أوجب الكفارة فيها وإن لم تكن يميناً.
والثاني أن معنى اليمين عنده التحريم، فوقعت الكفارة على المعنى.
وأما من قال : إنها طلقة رجعية ؛ فإنه حمل اللفظ على أقلّ وجوهه، والرجعية محرِّمة الوطء كذلك ؛ فيحمل اللفظ عليه.
وهذا يلزم مالكاً، لقوله : إن الرجعية محرِّمة الوطء.
وكذلك وجه من قال : إنها ثلاث، فحمله على أكبر معناه وهو الطلاق الثلاث.
وأما من قال : إنه ظهار، فلأنه أقلّ درجات التحريم، فإنه تحريم لا يرفع النكاح.
وأما من قال : إنه طلقة بائنة، فَعَوَّل على أن الطلاق الرجعيّ لا يحرّم المطلقة، وأن الطلاق البائن يحرّمها.
وأما قول يحيى بن عمر فإنه احتاط بأن جعله طلاقاً، فلما ارتجعها احتاط بأن يلزمه الكفّارة.