وذكر البخاريّ معناه في قصة العَسَل عن عبيد بن عُمير " عن عائشة قالت : كان رسول الله ﷺ يشرب عند زينب بنت جَحْش عسلاً ويمكث عندها، فتواطأتُ أنا وحفصة على أيّتنا دخل عليها فلْتَقُلْ : أكلتَ مَغَافِير؟ إني لأجد منك رِيح مَغَافير! قال :"لا ولكن شربتُ عسلاً ولن أعود له وقد حلفت لا تخبري ( بذلك ) أحداً" " يبتغي مرضات أزواجه.
فيعني بقوله :"ولن أعود له" على جهة التحريم.
وبقوله :"حلفت" أي بالله، بدليل أن الله تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك، وحوالته على كفّارة اليمين بقوله تعالى :﴿ يا أيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ ﴾ يعني العسل المحرّم بقوله :"لن أعود له".
﴿ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ ﴾ أي تفعل ذلك طلباً لرضاهن.
﴿ والله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾ غفورٌ لما أوجب المعاتبة، رحيمٌ برفع المؤاخذة.
وقد قيل : إن ذلك كان ذنباً من الصغائر.
والصحيح أنه معاتبة على ترك الأولى، وأنّه لم تكن له صغيرة ولا كبيرة.
قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢)
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ﴾ تحليل اليمين كفّارتها.
أي إذا أحببتم استباحة المحلوف عليه، وهو قوله تعالى في سورة "المائدة" :﴿ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ﴾ [ المائدة : ٨٩ ].
ويتحصل من هذا أن من حَرّم شيئاً من المأكول والمشروب لم يَحْرُم عليه عندنا، لأن الكفارة لليمين لا للتحريم على ما بيّناه.
وأبو حنيفة يراه يميناً في كل شيء، ويعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه، فإذا حَرّم طعاماً فقد حلف على أكله، أو أَمَةً فعلى وطئها، أو زوجةً فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نية، وإن نوى الظِّهار فظهارٌ، وإن نوى الطلاق فطلاق بائن.
وكذلك إن نوى ثنتين أو ثلاثاً.


الصفحة التالية
Icon