ولما أورد ما صارتا حقيقيتين به بأداة الشك إقامة للسامع بين الخوف والرجاء من ذلك وهو أعلم مما يكون أكمل ذلك بذكر شق الخوف، فقال معلماً بأن الملك وأوليائه أنصار له ﴿وإن تظاهرا﴾ بالتشديد للإدغام في قراءة الجماعة لأن النظر هنا إن وقع كان على وجه الخفاء في أعمال الحيلة في أمر مارية ـ رضى الله عنه ـ ا والعسل وما يأتي من مثل ذلك ما يبعث عليه الغيرة ﴿عليه﴾ أي النبي ـ ﷺ ـ المنبأ من قبل الله بما يرفع قدره ويعلي ذكره، وقراءة الكوفيين بالتخفيف بإسقاط إحدى التاءين إشارة إلى سهولة أمر هذه المظاهرة وقلة أذاها له ـ ﷺ ـ.
ولما كان المعنى كأنه لا يبالي بمظاهرة كما عبر عنه بعلته، فقال مؤكداً إعلاماً بأن حال المتظاهرين عليه حال المنكر لمضمون الكلام :﴿فإن الله﴾ أي الملك الأعظم الذي لا كفوء له ﴿هو﴾ أي بنفسه الأقدس وحضرة غيب غيبه التي لا يقوم لما لها من العظمة شيء ﴿مولاه﴾ أي ناصره والمتولي من أمره ما يتولاه القريب الصديق القادر وكل من له وعي يعلم كفايته سبحانه في ذلك فهو يعمل أبلغ ما يعمله مولى مع من هو متول لأمره وفي معاونته لنبيه ـ ﷺ ـ إظهار لشرفه ومراعاة لحفظ خاطره وشرح لصدره.
ولما كانت النفوس لمبنى هذه الدار على حكمة الأسباب مؤكلة بها ناظرة أتم نظر إليها، وكان نساء النبي ـ ﷺ ـ لكثرة ما يتلى في بيوتهن من آيات الله والحكمة على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام وكثرة تردده إلى النبي ـ ﷺ ـ في بيوتهن ويعلمهن قد صار عندهن بذلك من الأسباب الظاهرة المألوفة، وكان هو أعظم أنصار النبي ـ ﷺ ـ قال :﴿وجبريل﴾ لأنه من أعظم الأسباب التي يقيمها الله سبحانه.


الصفحة التالية
Icon