فصل
قال الفخر :
قوله :﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً﴾
أي بين حالهم بطريق التمثيل أنهم يعاقبون على كفرهم وعداوتهم للمؤمنين معاقبة مثلهم من غير اتقاء ولا محاباة، ولا ينفعهم مع عداوتهم لهم ما كانوا فيه من القرابة بينهم وبين نبيهم وإنكارهم للرسول ﷺ، فيما جاء به من عند الله وإصرارهم عليه، وقطع العلائق، وجعل الأقارب من جملة الأجانب بل أبعد منهم وإن كان المؤمن الذي يتصل به الكافر نبياً كحال امرأة نوح ولوط، لما خانتاهما لم يغن هذان الرسولان وقيل لهما في اليوم الآخر ادخلا النار ثم بين حال المسلمين في أن وصلة الكافرين لا تضرهم كحال امرأة فرعون ومنزلتها عند الله تعالى مع كونها زوجة ظالم من أعداء الله تعالى، ومريم ابنة عمران وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة، والاصطفاء على نساء العالمين مع أن قومها كانوا كفاراً، وفي ضمن هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين، وهما حفصة وعائشة لما فرط منهما وتحذير لهما على أغلظ وجه وأشده لما في التمثيل من ذكر الكفر، وضرب مثلاً آخر في امرأة فرعون آسية بنت مزاحم، وقيل : هي عمة موسى عليه السلام آمنت حين سمعت قصة إلقاء موسى عصاه، وتلقف العصا، فعذبها فرعون عذاباً شديداً بسبب الإيمان، وعن أبي هريرة أنه وتدها بأربعة أوتاد، واستقبل بها الشمس، وألقى عليها صخرة عظيمة، فقالت : رب نجني من فرعون فرقى بروحها إلى الجنة، فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، قال الحسن.
رفعها إلى الجنة تأكل فيها وتشرب، وقيل : لما قالت :﴿رَبّ ابن لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الجنة﴾ رأت بيتها في الجنة يبنى لأجلها، وهو من درة واحدة، والله أعلم كيف هو وما هو ؟ وفي الآية مباحث :
البحث الأول : ما فائدة قوله تعالى ﴿مّنْ عِبَادِنَا﴾ ؟ نقول : هو على وجهين أحدهما : تعظيماً لهم كما مر الثاني : إظهاراً للعبد بأنه لا يترجح على الآخر عنده إلا بالصلاح.