البحث الثاني : ما كانت خيانتهما ؟ نقول : نفاقهما وإخفاؤهما الكفر، وتظاهرهما على الرسولين، فامرأة نوح قالت لقومه إنه لمجنون وامرأة لوط كانت تدل على نزول ضيف إبراهيم، ولا يجوز أن تكون خيانتهما بالفجور، وعن ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط، وقيل : خيانتهما في الدين.
البحث الثالث : ما معنى الجمع بين ﴿عِندَكَ﴾ و ﴿فِى الجنة﴾ ؟ نقول : طلبت القرب من رحمة الله ثم بينت مكان القرب بقولها :﴿فِى الجنة﴾ أو أرادت ارتفاع درجتها في جنة المأوى التي هي أقرب إلى العرش.
وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (١٢)
أحصنت أي عن الفواحش لأنها قذفت بالزنا.
والفرج حمل على حقيقته، قال ابن عباس : نفخ جبريل في جيب الدرع ومده بأصبعيه ونفخ فيه، وكل ما في الدرع من خرق ونحوه فإنه يقع عليه اسم الفرج، وقيل :﴿أَحْصَنَتْ﴾ تكلفت في عفتها، والمحصنة العفيفة :﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ أي فرج ثوبها، وقيل : خلقنا فيه ما يظهر به الحياة في الأبدان.
وقوله :﴿فِيهِ﴾ أي في عيسى، ومن قرأ ( فيها ) أي في نفس عيسى والنفث مؤنث، وأما التشبيه بالنفخ فذلك أن الروح إذا خلق فيه انتشر في تمام الجسد كالريح إذا نفخت في شيء، وقيل : بالنفخ لسرعة دخوله فيه نحو الريح وصدقت بكلمات ربها.
قال مقاتل : يعني بعيسى، ويدل عليه قراءة الحسن ( بكلمة ربها ) وسمي عيسى ( كلمة الله ) في مواضع من القرآن.