واختار أبو عبيد "من تَفَوُّت" واحتج بحديث عبد الرحمن بن أبي بكر :"أمثلي يُتَفَوَّتُ عليه في بَنَاتِه"! النحاس : وهذا أمر مردود على أبي عبيد، لأن يتفوّت يُفتات بهم.
"وتفاوت" في الآية أشبه.
كما يقال تباين يقال : تفاوت الأمر إذا تباين وتباعد ؛ أي فات بعضها بعضا.
ألا ترى أن قبله قوله تعالى :﴿ الذي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً ﴾.
والمعنى : ما ترى في خلق الرحمن من اعوجاج ولا تناقض ولا تباين بل هي مستقيمة مستوية دالة على خالقها وإن اختلفت صُوَره وصفاته.
وقيل : المراد بذلك السموات خاصة ؛ أي ما ترى في خلق السموات من عَيْب.
وأصله من الفَوْت، وهو أن يفوت شيء شيئاً فيقع الخلل لقلة استوائها ؛ يدل عليه قول ابن عباس رضي الله عنه : من تَفَرّق.
وقال أبو عبيدة : يقال : تفوت الشيء أي فات.
ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به فيتفكروا في قدرته فقال :﴿ فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ ﴾ أي اردد طرفك إلى السماء.
ويقال : قلّب البصر في السماء.
ويقال : اجْهَدْ بالنظر إلى السماء.
والمعنى متقارب.
وإنما قال :"فَارْجِعِ" بالفاء وليس قبله فعل مذكور ؛ لأنه قال :"ما تَرَى".
والمعنى انظر ثم ارجع البصر هل ترى من فطور ؛ قاله قتادة.
والفطور : الشّقوق، عن مجاهد والضحاك.
وقال قتادة : من خَلَل.
السُّدِّي : من خروق.
ابن عباس : من وهَنْ.
وأصله من التّفطُّر والانفطار وهو الانشقاق.
قال الشاعر :
بَنَى لكُم بِلا عَمدٍ سماءً...
وَزيَّنَها فما فيها فطورُ
وقال آخر :
شققْتِ القلب ثم ذَرَرْتِ فيه...
هَواكِ فَلِيم فالتأم الفُطُورُ
تغلغل حيث لم يبلغ شرابٌ...
ولا سكر ولم يبلغ سرور
قوله تعالى :﴿ ثُمَّ ارجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ ﴾
"كرتينِ" في موضع المصدر ؛ لأن معناه رجعتين، أي مَرَّة بعد أخرى.
وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرةً لا يرى عَيْبَه ما لم ينظر إليه مرةً أخرى.