اعلم أن ظاهر هذه الآية لا يدل على أن هذه الكواكب مركوزة في السماء الدنيا، وذلك لأن السموات إذا كانت شفافة فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو كانت في سموات أخرى فوقها، فهي لا بد وأن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها، فعلى التقديرين تكون السماء الدنيا مزينة بهذه المصابيح.
واعلم أن أصحاب الهيئة اتفقوا على أن هذه الثوابت مركوزة في الفلك الثامن الذي هو فوق كرات السيارات، واحتجوا عليه بأن بعض هذه الثوابت في الفلك الثامن، فيجب أن تكون كلها هناك، وإنما قلنا : إن بعضها في الفلك الثامن، وذلك لأن الثوابت التي تكون قريبة من المنطقة تنكسف بهذه السيارات، فوجب أن تكون الثوابت المنكسفة فوق السيارات الكاسفة، وإنما قلنا : إن هذه الثوابت لما كانت في الفلك الثامن وجب أن تكون كلها هناك، لأنها بأسرها متحركة حركة واحدة بطيئة في كل مائة سنة درجة واحدة، فلا بد وأن تكون مركوزة في كرة واحدة.
واعلم أن هذا الاستدلال ضعيف، فإنه لا يلزم من كون بعض الثوابت فوق السيارات كون كلها هناك، لأنه لا يبعد وجود كرة تحت القمر، وتكون في البطء مساوية لكرة الثوابت، وتكون الكواكب المركوزة فيما يقارن القطبين مركوزة في هذه الكرة السفلية، إذ لا يبعد وجود كرتين مختلفتين بالصغر والكبر مع كونهما متشابهتين في الحركة، وعلى هذا التقدير لا يمتنع أن تكون هذه المصابيح مركوزة في السماء الدنيا، فثبت أن مذهب الفلاسفة في هذا الباب ضعيف.
المسألة الثالثة :