اعلم أن منافع النجوم كثيرة، منها أن الله تعالى زين السماء بها، ومنها أنه يحصل بسببها في الليل قدر من الضوء، ولذلك فإنه إذا تكاثف السحاب في الليل عظمت الظلمة، وذلك بسبب أن السحاب يحجب أنوارها، ومنها أنه يحصل بسببها تفاوت في أحوال الفصول الأربعة، فإنها أجسام عظيمة نورانية، فإذا قارنت الشمس كوكباً مسخناً في الصيف، صار الصيف أقوى حراً، وهو مثل نار تضم إلى نار أخرى، فإنه لا شك أن يكون الأثر الحاصل من المجموع أقوى، ومنها أنه تعالى جعلها علامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، على ما قال تعالى :﴿وعلامات وبالنجم هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ [ النحل : ١٦ ] ومنها أنه تعالى جعلها رجوماً للشياطين الذين يخرجون الناس من نور الإيمان إلى ظلمات الكفر، يروى أن السبب في ذلك أن الجن كانت تتسمع لخبر السماء، فلما بعث محمد ﷺ حرست السماء، ورصدت الشياطين، فمن جاء منهم مسترقاً للسمع رمي بشهاب فأحرقه لئلا ينزل به إلى الأرض فيلقيه إلى الناس فيخلط على النبي أمره ويرتاب الناس بخبره، فهذا هو السبب في انقضاض الشهب، وهو المراد من قوله :﴿وجعلناها رُجُوماً للشياطين﴾ ومن الناس من طعن في هذا من وجوه أحدها : أن انقضاض الكواكب مذكور في كتب قدماء الفلاسفة، قالوا : إن الأرض إذا سخنت بالشمس ارتفع منها بخار يابس، وإذا بلغ النار التي دون الفلك احترق بها، فتلك الشعلة هي الشهاب وثانيها : أن هؤلاء الجن كيف يجوز أن يشاهدوا واحداً وألفاً من جنسهم يسترقون السمع فيحترقون، ثم إنهم مع ذلك يعودون لمثل صنيعهم فإن العاقل إذا رأى الهلاك في شيء مرة ومراراً وألفاً امتنع أن يعود إليه من غير فائدة وثالثها : أنه يقال في ثخن السماء فإنه مسيرة خمسمائة عام، فهؤلاء الجن إن نفذوا في جرم السماء وخرقوا اتصاله، فهذا باطل لأنه تعالى نفى أن يكون فيها فطور على ما قال :﴿فارجع البصر هَلْ ترى مِن فُطُورٍ﴾ [ الملك :


الصفحة التالية
Icon