والنفوس في الجاهلية لا تكاد تتجاوز هذا الظاهر الذي تعيش فيه، ولا تلقي بالا إلى الغيب وما يحتويه. وهي مستغرقة في الحياة الدنيا محبوسة في قفص الأرض الثابتة المستقرة. فالسورة تشد قلوبهم وأنظارهم إلى الغيب وإلى السماء وإلى القدرة التي لم ترها عين، ولكنها قادرة تفعل ما تشاء حيث تشاء وحين تشاء ; وتهز في حسهم هذه الأرض الثابتة التي يطمئنون إليها ويستغرقون فيها (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير. وأسروا قولكم أو أجهروا به، إنه عليم بذات الصدور. ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ؟ هو الذي جعل لكم الأرضذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور. أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ؟ أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا ؟ فستعلمون كيف نذير)..
والطير. إنه خلق يرونه كثيرا ولا يتدبرون معجزته إلا قليلا. ولكن السورة تمسك بأبصارهم لتنظر وبقلوبهم لتتدبر، وترى قدرة الله الذي صور وقدر:(أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ؟ ما يمسكهن إلا الرحمن، إنه بكل شيء بصير).
وهم آمنون في دارهم، مطمئنون إلى مكانهم، طمأنينة الغافل عن قدرة الله وقدره. ولكن السورة تهزهم من هذا السبات النفسي، بعد أن هزت الأرض من تحتهم وأثارت الجو من حولهم، تهزهم على قهر الله وجبروته الذي لا يحسبون حسابه:(أم من هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن ؟ إن الكافرون إلا في غرور).
والرزق الذي تناله أيديهم، إنه في حسهم قريب الأسباب، وهي بينهم تنافس وغلاب. ولكن السورة تمد أبصارهم بعيدا هنالك في السماء، ووراء الأسباب المعلومة لهم كما يظنون:(أم من هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه ؟ بل لجوا في عتو ونفور)..