﴿ وَأَسِرُّواْ قَوْلَكُمْ أَوِ اجهروا بِهِ ﴾ بيانٌ لتساوِي السرِّ والجهرِ بالنسبةِ إلى علمِهِ تعالَى كما في قولِه :﴿ سَوَاء مّنْكُمْ مَّنْ أَسَرَّ القول وَمَنْ جَهَرَ بِهِ ﴾ قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ الله عنهُما نزلتْ في المشركينَ كانُوا ينالُونَ من النبيِّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فيُوحَى إليهِ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ فقال بعضُهُم لبعضٍ أسرُّوا قولَكُم كيلاَ يسمعَ ربُّ محمدٍ فقيلَ لهُم أسِرُّوا ذلكَ أو اجهروا بهِ فإنَّ الله يعلمهُ، وتقديمُ السرِّ على الجهرِ للإيذانِ بافتضاحِهِم ووقوعِ ما يحذرونَهُ من أولِ الأمرِ والمبالغةِ في بيانِ شمولِ علمِهِ المحيطِ لجميعِ المعلوماتِ كأنَّ علمَهُ تعالَى بما يُسرُّونَهُ أقدرُ منهُ بما يجهرونَ بهِ مع كونِهِما في الحقيقةِ على السويةِ فإنَّ علمَهُ تعالَى بمعلوماتِهِ ليسَ بطريقِ حصولِ صورِهَا بل وجودُ كلِّ شيءٍ في نفسِهِ علمٌ بالنسبةِ إليهِ تعالَى أو لأنَّ مرتبةَ السرِّ متقدمةٌ على مرتبةِ الجهرِ إذْ مَا من شيءٍ يُجهرُ بهِ إلا وهُو أو مباديهِ مضمرٌ في القلبِ يتعلقُ بهِ الأسرارُ غالباً فتعلقُ علمِهِ تعالَى بحالتِهِ الأُولى متقدمٌ على تعلقِهِ بحالتِهِ الثانيةِ. وقولُهُ تعالَى :﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور ﴾ تعليلٌ لما قبلَهُ، وتقريرٌ لهُ. وفي صيغةِ الفعيلِ وتحليةِ الصدورِ بلامِ الاستغراقِ ووصفِ الضمائرِ بصاحبِيتِها من الجزالةِ ما لا غايةَ وارءَهُ كأنَّهُ قيلَ إنه مبالغٌ في الإحاطةِ بمضمراتِ جميعِ الناسِ وأسرارِهِم الخفيةِ المستكنةِ في صدورِهِمْ بحيثُ لا تكادُ تفارقُها أصلاً فكيفَ يَخْفى عليهِ ما تُسرُّونَهُ وتجهرونَ بهِ، ويجوزُ أنْ يُرَادَ بذاتِ الصُّدورِ القلوبُ التي في الصدرِ، والمعنى أنه عليمٌ بالقلوبِ وأحوالِهَا فلا يَخْفَى عليهِ سرٌّ من أسرارِهَا.
وقولُهُ تعالَى :


الصفحة التالية
Icon